البابا يحتفل بالقداس على راحة أنفس الكرادلة والأساقفة «متفرقات

 

 

 

 

 

لقد سمعنا في مثل الإنجيل أن العذارى العشر "خَرَجنَ لِلِقاءِ العَريس" (متى 25، 1) كلهنّ. فالحياة، بالنسبة للجميع، هي دعوة للخروج: من الحشى الوالدي، ومن البيت حيث ولدنا، ومن الطفولة إلى المراهقة ومن المراهقة إلى البلوغ، إلى أن نخرج من هذا العالم. حتى بالنسبة لخدام الإنجيل، الحياة هي خروج مستمرّ: من البيت الوالدي إلى حيث ترسلنا الكنيسة، ومن خدمة إلى أخرى؛ فنحن في عبور دائم، إلى أن نصل للعبور النهائي.

 

 

 

 

والإنجيل يذكّر بمعنى هذا الخروج الدائم الذي هو الحياة: الذهاب للقاء العريس. هذا هو سبب عيشنا: من أجل ذلك الهتاف الذي يعلو أثناء الليل بحسب الإنجيل والذي يمكننا قبوله بالملء ساعة موتنا: "هُوذا العَريس! فَاخرُجْنَ لِلِقائِه!" (آية 6). واللقاء بيسوع، العريس الذي "أحبّ الكَنيسة وجادَ بِنَفسِه مِن أَجْلِها" (أف 5، 25)، هو الذي يعطي معنى وتوجّه لحياتنا، لا أمرٌ آخر. إنه النهاية التي تنير ما يسبق. فكما أن الزرع يُقدّر بالمحصول، هكذا أيضًا فمسيرة الحياة توضَع انطلًاقا من الهدف.

 

 

 

والحياة بالتالي، إن كانت مسيرة خروج للقاء العريس، هي الزمن المُعطى لنا كي ننمو بالمحبة. أن نحيا يعني أن نتحضّر يوميّا للعرس، زمن خطبة طويل. لنسأل أنفسنا: هل أحيا كمَن يتحضّر للقاء العريس؟ لا يجب أن ننسى في خدمتنا، خلف كلّ اللقاءات، وكلّ النشاطات التي يجب تنظيمها، وكلّ الملفّات التي يجب معالجتها، الخطّ الذي يوحّد المسيرة كلّها: انتظار العريس. والمحور لا يمكنه أن يكون سوى قلب يحبّ الربّ.

 

 

وبهذه الطريقة فقط، تكون خدمتنا المرئيّة مدعومة بروح خفيّة. نفهم عندها ما يقوله بولس الرسول في القراءة الثانية: "إِنَّنا لا نَهدِفُ إِلى ما يُرى، بل إِلى ما لا يُرى. فالَّذي يُرى إِنَّما هو إِلى حِين، وأَمَّا ما لا يُرى فهو لِلأَبَد" (2 قور 4، 18). لا نهدف إلى الديناميات الأرضية، بل نحوّل نظرنا عنها. صحيح هو ذاك القول المشهور: "الأساسي هو غير مرئي للعينين". الأساسي في الحياة هو الإصغاء لصوت العريس. وصوته يدعونا لإلقاء نظرة يوميّا على الربّ الآتي وتحويل كلّ نشاط إلى تحضير للعرس معه. ويذكّرنا به العنصر الذي هو أساسيّ في الإنجيل للعذارى اللواتي ينتظرن العرس: لا الثوب، ولا حتى المصابيح، إنما الزيت، المحفوظ في آنية صغيرة.

 

 

 

وتظهر هنا أوّل ميزة لهذا الزيت: لا يلفت النظر. يبقى مختبئا، لا يظهر، ولكن من دونه ليس هناك من نور. ماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟ أنه لا قيمة للمظاهر أمام الربّ، فما يهمّ هو القلب (را. 1 صم 16، 7). كلّ ما يبحث عنه العالم ويظهره –الشرفيّات، السلطة، المظاهر، المجد- يمرّ، دون أن يترك شيئا. والابتعاد عن المظاهر الدنيويّة هو ضروريّ من أجل التحضّر للسماء. يجب رفض ""ثقافة الخدعة"، التي تعلّم الاهتمام بالمظاهر. إنما ينبغي حفظ القلب وتنقيته، داخل الإنسان، الثمين في نظر الله؛ لا الخارج الذي يزول.      

 

 

 

 

 

بعد هذه الميزة –لا يلفت النظر لكنه أساسي- هناك جانب آخر للزيت: هو موجود كي يُستخدم. فهو ينير فقط عند احتراقه. هكذا هي الحياة: تنشر النور فقط عند احتراقها، عند بذلها في الخدمة. سرّ الحياة هو العيش من أجل الخدمة. الخدمة هي البطاقة التي يجب إظهارها عند مدخل العرس الأبدي. فما يبقى من الحياة أمام عتبة الأبدية، ليس ما قد ربحناه إنما ما قد أعطيناه ( متى 6، 19- 21؛ 1 قور 13، 8). معنى الحياة هو بالإجابة على اقتراح محبّة الله. والإجابة تمرّ عبر المحبّة الحقيقية، وهبة الذات، والخدمة. الخدمة مُكلِفة لأنها تعني بذل الذات، لكن في خدمتنا، من لا يحيا ليخدم فهو لا يخدم الحياة. فمن يبالغ في حفظ حياته، يفقدها.   

 

 

 

هناك ميزة ثالثة للزيت تظهر في الإنجيل بشكل مميز: التحضير. يجب أن يتمّ تحضير الزيت في وقته والتزوّد به (را. آيات 4. 7). المحبّة هي عفوية طبعًا لكنّها لا تُرتَجل. فجهل العذارى اللواتي يبقين خارج العرس يكمن بالتحديد في عدم التحضير. والآن هو زمن التحضير: الوقت الحاضر، يوما بعد يوم، تتغذّى المحبّة. لنطلب نعمة تجديد حبّنا الأوّل للربّ يوميّا (را. رؤيا 2، 4)، نعمة عدم تركه ينطفئ. التجربة الأعظم هي أن نسترخي في حياة دون محبّة، التي تشبه الوعاء الفارغ، والمصباح المُطفأ. إذا لم تُستهلك الحياة بالمحبّة فهي تنطفئ. والمدعوّون إلى العرس مع الله لا يمكنهم الاسترخاء في حياة مستقرّة، مسطحة، وأفقية، تتقدّم دون اندفاع، وهم يبحثون عن بعض الرضا والمكافآت الزائلة. الحياة الفاترة والاعتيادية التي تكتفي بالقيام بالواجب دون بذل الذات، لا تليق بالعريس.

 

 

 

فيما نصلي من أجل الكرادلة والأساقفة الذين توفّوا خلال السنة، لنسأل تضرّع مَن عاش دون البحث عن الظهور، ومَن خدم من قلبه، ومَن تحضّر يومًا بعد يوم للقاء الربّ. واقتداء بهؤلاء الشهود، الذين هم بنعمة الله كثيرون، لا نكتفينّ بنظرة مقتصرة على حاضرنا؛ بل لنرغب في نظرة تتخطّى هذا، وتصل إلى العرس الذي ينتظرنا. فالحياة التي يعبرها الشوق لله والمتمرّنة على المحبّة، تكون مستعدّة للدخول في بيت العريس، وللأبد.  

 

 

 

 

عظة قداسة البابا فرنسيس

خلال القداس الإلهي لراحة أنفس الكرادلة الذين توفّوا السنة الفائتة

بازليك القديس بطرس

السبت 3 نوفمبر/تشرين الثاني  2018

 

 

موقع الكرسي الرسولي.