عظة البطريرك الرّاعي - أحد الشعانين «متفرقات

 

 

 

 

"هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرّبّ، المسيح ملكنا" (يو13:12)

 

 

 

 

      1. يسعدنا جميعًا أن ننضمّ مع أطفالنا وشبابنا وعائلاتنا لاستقبال المسيح ربّنا الملك، في ذكرى دخوله أورشليم. نستقبله وهو يدخل قلوبنا وبيوتنا ومجتمعنا ووطننا. نستقبله بعد مسيرة أربعين يومًا من الصّيام والإماتات والصّلاة والعودة إلى الله بالتّوبة وأعمال المحبّة والرّحمة والمصالحة مع الله والناس. وها نحن نحمل أغصان النّخل والزّيتون والشّموع، ونواصل هتاف ذاك الجمع وأولئك الأطفال: "هوشعنا، مبارك المسيح ملكنا الآتي باسم الربّ!" (يو13:12).

 

 

 

 

 

      2. يطيب لي أن أهنّئكم أنتم أيّها الحاضرون، وكلّ الذين يتابعون معنا هذا الاحتفال ويشاركون من خلال محطّة تيلي لوميار ونور سات وسواها من وسائل الإعلام. ونهنّئ كلَّ شعبنا في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط المعروفة بالنّطاق البطريركيّ، وجميع أحبّائنا المنتشرين تحت كلّ سماء، في القارّات الخمس. نلتمس للجميع سلام المسيح، يُزرع في القلوب لينتشر في العائلات، ويُبنى في المجتمعات والدّول. نلتمس هذا السّلام لبلداننا المشرقيّة التي تعاني من الحروب والانقسامات، والنّزوح والتّهجير والهجرة، والأزمات السّياسيّة والضّيقات الاقتصاديّة والمعيشيّة.

 

 

 

 

      3. نلتمس هذا السّلام للعراق وسوريا مع عودة جميع النّازحين والمهجّرين إلى وطنهم ليواصلوا كتابة تاريخهم على أرضه، ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم، فلا يكونوا عالة وعبئًا على البلدان التي استقبلتهم وفي مقدّمتها لبنان الرّازح تحت عبء ثقيل يتهدّد حياة شعبه وكيانه وسقوط اقتصاده وتعطيل إنمائه. عندما ننادي النّازحين واللّاجئين للعودة إلى أرضهم، بالرّغم من عدم تشجيعهم من قبل الأسرة الدّوليّة لأغراض سياسيّة، إنّما لكي لا يكونوا مع وطنهم ضحيّة حربَين: الأولى، حرب الأسلحة التي دمّرت الحجر، والثانية، حرب السّياسة وعدم العودة التي تدمّر الهويّة والثّقافة والتّاريخ الحيّ. الحجر يُعوَّض أمّا الهويّة فلا.

 

 

 

 

 

      5. نلتمس هذا السّلام للأرض المقدّسة ولاسيّما مدينة القدس التي عليها تجلّى الله، الواحد والثّالوث، وأتمّ المسيح سرّ الفداء بموته وقيامته، وأعلن إنجيل الخلاص، وأسّس الكنيسة، وحلّ عليها الرّوح القدس فأرسلها إلى العالم كلّه كأداة للخلاص الشّامل. فمن أجل إحلال هذا السّلام لا يمكن قبول الاعتداء على تصميم الله وعمله في تلك الأرض، وتحويلها إلى وطن لليهود، وانتزاع هويّة القدس المنفتحة على الدّيانات التّوحيديّة الثّلاث وجعلها عاصمة لإسرائيل اليهوديّة. ولا يمكن قبول إلغاء الحضور المسيحيّ وتراثه الأساسيّ ودوره البنّاء ثقافيًّا واجتماعيًّا ووطنيًّا، وتجاوز ما للمسلمين من أماكن عبادة وحضور ودَور. ومن أجل إحلال السّلام لا يمكن القبول بحرمان الفلسطينيّين من دولة خاصّة بهم، ومن عودة اللّاجئين إلى أراضيهم الأساسيّة.

 

 

 

 

      6. اليوم عيد ملوكيّة يسوع المسيح. مملكته لا حدود لها، لأنّها تشمل كلّ الأرض، وتتّسع وسع البشريّة جمعاء على مجرى التاريخ. هذه المملكة تُدعى ملكوت الله الذي يبدأ في كنيسة الأرض وينمو حتّى يكتمل في ملكوت السّماء. الكنيسة تلتئم وتتكوّن حول سرّ الإفخارستيّا، وتتعلّم التّواضع والمحبّة والسّلام والبذل والعطاء، وتنشر هذه القيم في محيطها وفي الثّقافات، وتبني بها مجتمعًا جديدًا. إلى هذه المملكة نحن ننتمي بالمعموديّة والميرون، وبرسالتها نحن ملتزمون في كلّ مجتمع ووطن نعيش فيه.

 

 

 

 

      7. واليوم يبدأ تكوين ملامح الكنيسة:

 

 

 

      أ- الجمع الذي رافق يسوع وشهد لقيامة لعازر من القبر (يو17:12)، هم يهود يدخلون المملكة الجديدة. هي الكنيسة المنفتحة عليهم أوّلاً وفقًا لتصميم الله الخلاصيّ.

 

 

 

      ب- الجمع الآخر الذي خرج لاستقباله، وبينهم أناس غرباء عن اليهوديّة أتوا من اليونان ليروا يسوع (يو12: 18-22). هؤلاء يدلّون على شموليّة الكنيسة، مملكة المسيح الجديدة.

 

 

 

      ج- قرار الفريسيِّين والأحبار بقتله لئلّا تهلك الأمّة كلّها (يو11: 50-51)، كانت نبوءة عن موت يسوع فداءً عن البشريّة جمعاء، وبثّ الحياة الجديدة فيها بقيامته. من موت المسيح وقيامته ولدت الكنيسة الواحدة الجامعة، التي تلمّ شمل أبناء الله المشتّتين (يو52:11).

 

 

 

 

      8. فيما نحتفل بعيد الشّعانين، لا بدّ من فهم الرّموز التي نقوم بها لأنّها تعطينا كلّ معانيه اللّاهوتيّة:

 

 

 

      حضور الأطفال ومشاركتهم بالشّموع والثّياب الجديدة يذكّرنا بالأطفال الذين ملأوا أورشليم بهتافاتهم ابتهاجًا بيسوع الذي خاطب قلوبهم بحبّه. فاغتاظ منهم اليهود، وقد رافقوه إلى الهيكل، وطلبوا من يسوع أن يسكتهم، فأجابهم: "لو سكتوا لتكلّمت الحجارة". ولو تعلمون الآية "من فم الأطفال والرّضع وجدتَ لك عزّة" (متى21: 15-16). عيد الشّعانين هو عيدهم.

 

 

 

      سعف النّخل والزّيتون علامة استقبال ملك السّلام يسوع المسيح. فالنّخل هو لاستقبال الملوك، والزّيتون علامة سلامه.

 

 

 

      التّطواف خارج الكنيسة هو لإعلان ملوكيّة المسيح، وانتمائنا إلى مملكته التي هي الكنيسة. ويذكّرنا بالاستقبال الملوكيّ ليسوع في أورشليم.

 

 

 

 

      إنّنا نصلّي كي يسكن المسيح الإله في قلوبنا وعائلاتنا ووطننا، ويملأها من سلامه ومحبّته، ويجعلنا صانعي سلام وفاعلي محبّة. فنرفع نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

موقع بكركي