لِماذا تُكلِّمُهم بالأَمثال؟ «متفرقات

 

 

 

مثل الزارع

 

 

 

 

 يفسّر يسوع المشكلة باقتضاب (مثل الزارع متى 13/ 18 -23):

 

أوّلاً، يسمع ولا يفهم. كلمة الله تظلّ أمرًا مُنزَلاً، مجموعةً من العبارات والشعارات والمبادئ، لا تطبيق لها في الحياة اليوميّة. والفهم يعني استبطان. أن تتحوّل كلمة الله إلى قناعة، وتكفّ عن أن تكون قانونًا مُنزَلاً يطلب منّا الرّضوخ على مضض. إذا لم يتمّ استبطان كلمة الله، تظلّ على السّطح، ولن تأتي بثمر. إنّها حياة المؤمن السطحيّ، الذي يسعى إلى تجميع المعلومات عن الدّين من دون أن يجعلها تلِـج إلى عمق أعماق كيانه.

 

ثانيًا، غياب التأصّل. لا يكفي أن يستقبل الإنسان كلمة الله في قلبه، بل عليه أن يجعلها تغوص في العمق. وعمليّة الغوص لا تتمّ بين ليلةٍ وضُحاها، بل بالممارسة اليوميّة والانتباه الدّائم لكلّ حركات النفس. ويسمّي الأدب الروحيّ هذه العمليّة: اكتساب العادة السلوكيّة. لدينا كلّنا عادات. كيف اكتسبناها؟ من الممارسة المتكرّرة. هذا ما عناه يسوع من عبارته: «الَّذي يَسمَعُ الكَلِمة ويَتَقَبَّلُها لِوَقْتِهِ فَرِحًا، ولكن لا أَصلَ لَه في نَفْسِه». يسمع، يتقبّل، ولكنّ عمليّة التأصّل التي تجعل ممارسة هذه الكلمة عادة سلوكيّة تنقص.

 

ثالثًا، غياب الزهد. فالزهد ليس عادة خاصّة بالرّهبان، بل هو جهد مطلوب من كلّ مؤمنٍ. أستطيع استقبال كلمة الله، وأستطيع التمرّس عليها، ولكنّي لا أريد أن أتخلّى عن بعض التعلّقات، فأعيش انقسام القلب. وبالتالي، كما يقول القدّيس بولس، الخير الذي أريده لا أفعله. أعرف أنّه خير، وأتمنّاه، وأشتهيه، وأرغبه، ولكنّي حافظتُ في قلبي على عشبٍ ضارٍّ يُضعف إرادتي. لذلك يقول يسوع في مكانٍ آخر: مَن أراد أن يتبعني، مَن أراد أن يعمل بكلمة الله، عليه أن يحمل صليبه. وما الصَّليب إلاّ رمز للتخلّي والموت عن، موتٌ عن الشهوة، عن الأنانيّة، عن كثيرٍ من الأمور التي تخنق كلمة الله وتمنعها من الإثمار.

 

رابعًا، مقياس الثمر. لسنا هنا أمام مشكلة علنيّة بل ضمنيّة. لقد استقبلت الأرض الطيّبة الكلمة، وفهمتها، وتعمّقت بها، وأزالت كلّ ما يعيقها. حينها ستثمر الكلمة من تلقاء نفسها. فالثمر معيار لمعرفة حسن استقبال كلام الله أو سوء استقباله.

 

أين المشكلة إذًا؟ إنّها في تحديد الثمَر. كثيرون يعتقدون أنّ الثمر هو التزام بخدمات، أو بجمعيّات، أو أعمال صالحة. لا شكّ في أنّ هذا ثمر. ولكن هل هو من أرضٍ طيّبة؟ ألم تعطي الأرض الصخريّة وأرض الشوك ثمرًا أيضًا؟  هل أحافظ على روح المجّانيّة والخدمة والمحبّة في ما أفعله، أم تخفي خدماتي رغبة بالتباهي والتعالي، أو سعيًا وراء مكانةٍ اجتماعيّة؟

 

إنّ الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة. ويسوع يعطي الإجابة ضمنًا. فالبذار يتعرّض لظروفٍ صعبة ومضايقات. إذا تخاذل، أو انسحب، أو يئس، أو يبس، فهذا علامة على أنّ الأرض ليست طيّبة. ومَن له أذنان للسَّماع فليسمع.

 

 

 

 

 الأب رامي الياس اليسوعي.