أن نصبح صلاة «أضواء

عندما نسأل أحداً إذا كان يصلي، فغالباً يكون الجواب: قليل أو في الصباح والمساء، أو صلاة الأبانا أو السلام المريمي. البعض يقول صليت كما يقول عن أي عمل قام به. فغالباً نخلط بين الصلوات وبين الصلاة.

الصلوات: هي طرق، أو بدائل، ضرورية ولاشك. إنها وسائل وُضعت بين يدينا من قبل التقليد الديني. إنها عبارة عن ممارسات.

الصلاة: فهي أعمق. الصلاة في النهاية هي حالة: إنها حياة. الصلاة هي التي تحيي الصلوات، تعطيها ضمان لحقيقتها كما تعطيها قوة الحب. فالمطلوب ليس «سرد صلوات» بقدر ما أن نعيش في الصلاة، باستمرار في حضور الله. أن نصبح رغبة في الله. باختصار المطلوب أن نصبح صلاة.

الأرشمندريت المعروف «بلوم» يقول لك «أن لا نصلي، هذا يعني أن نضع الله خارج الوجود، وليس فقط الله، إنما كل ما يعنيه للعالم الذي خلقه، العالم الذي نعيش فيه»

الصلاة تعني الحب: لكي نحقق ذلك، علينا بناء علاقة مع الله. العلاقة مع الله لا تعني «الارتفاع» نحو الله البعيد، إنما أن نعيش حميمية معه، هو الحاضر في أعماقنا، ينتظرنا، يصغي إلينا، حتى ولو يبدو أنه لا يظهر إلاَّ من خلال الصمت. إنه الله الذي يحبنا ونحبه. فالصلاة تعني الحب.

هذه العلاقة الشخصية بإمكانها أن تصل إلى نوع من الاتحاد. لا نسعى لجلب الله الذي، في البداية هو خارج عنَّا، بل نبحث عن مشاهدة «contempler» الله الذي فينا لنتحد معه. من هنا نبعت العديد من صلوات المتعبدين الذين يقولون: «الصلاة الأفضل هي الصلاة التي فيها حبّاً كثيراً»، أو «عندما نحب نريد أن نتحدث بدون توقف مع المحبوب أو على الأقل أن ننظر إليه باستمرار:والصلاة لا تختلف عن هذا الأمر». قد نقول بأنها صلاة تصوفية. لما لا!

فالصلاة لها دائماً بعد تصوفيّ بقدر ما تتجاوز العلاقة العاطفية أو العقلية. فكرة التصوف تخيف المؤمن المسيحي، إن سمع بها، لكونه يعتقد أنها تعني مظاهر غير طبيعية، أو خارقة، أو في أسوأ الاحتمالات، نوع من الهذيان. بينما التصوف يعني الرغبة البسيطة والواخزة لله الحاضر في حياتنا.

الصلاة والإيمان: الصلاة بهذا المفهوم ترتبط بالطبع بالإيمان. ولكن على العكس ليس هناك من إيمان حقيقي بدون صلاة، أي بدون علاقة بين الله وبيننا. خارجاً عن ذلك يكون الإيمان عبارة عن خلق ذاتي، غير متجسد، غير حياتي وحيوي. «فالإيمان هو عرق الصلاة».

فالصلاة تغني الإيمان والإيمان يغني الصلاة. فنحن نصلي لأننا نؤمن بالله، ولكن قد نصلي لإله لا نؤمن به أو قليلاً ولكن من أجل الحصول على الإيمان. نصلي لكي نجد الله. فالصلاة هي رأس يبحث.

أحد الكتّاب الملحدين كتب نوع من المزمور يقول فيه: «لأخر مرّة أقول لك أريد أن أؤمن بك. بيّن لي بأنك تُحبني، ساعدني لكي أؤمن بالرغم من كفري وسخريتي. ارحم هذا الإنسان الغير المؤمن الذي لم يكن له الحظ بأن يُنقل له الإيمان. فأنا لا أنتظر إيماني إلاَّ منك. فهل من الخطأ أن لا أنتظر إللاّك؟» (Albert Cohen).

أخيراً الإيمان والصلاة مترابطان ومتماسكان كاليدين المتماسكتين. فالإيمان ليس بشيء نمتلكه، حصى نمسكها بأيدينا، الإيمان هو فتح متجدد باستمرار، حيث الصلاة هي التعبير والوسيلة. بهذا المعنى نقول بأن الصلاة هي قبل كل شيء رغبة «يارب علّمنا أن نصلي». رغبة في الله ورغبة في الحب. «رغبتك هي الصلاة» يقول القديس أغسطينس. فإذا كنّا نرغب الله، فلأنه الأول من يحبنا ويرغب بنا. فالصلاة هي لقاء بين رغبتين: رغبة الإنسان مع رغبة الله، أو بالأحرى الصعود برغبة الإنسان من قبل رغبة الله.

وكما أنه لا يمكننا فصل الصلاة عن الإيمان، كذلك أيضاً لا يمكننا فصلها عن العواطف، عن الأفكار، عن العمل، وعن الإرادة. فالصلاة ليست بمجال خاص، قائم بحد ذاته، ليست بجزيرة. إنها بعد من أنشطتنا الإنسانية، طريقة في الوجود «طريقة في الحياة، طريقة مختلفة جذرياً لتهذيب كل من الحياة والعالم». فلماذا نبحث عن إلصاقها، إن صح التعبير في حياتنا، بما أنها فيها مسبقاً، أقله كبذرة، في قلبنا، أي في عمق أعماقنا.

بعض الأقوال: "الله يأتي دائماً لزيارتنا ولكن غالباً نحن غير موجودين

أليس من التناقض الغريب أن يستطيع البشر سوية الإيمان بالله ويصلوه قليلاً

الصلاة هي أن نترك أنفسنا نُصنع من قبل الله

الصلاة هي كمال الإنتباه

الصلاة ليست التفكير الكثير، بل الحب الكثير

الحب هو نار، والصلاة هي الحطب الذي يغذيها

الصلاة هي أن نعُرّض أنفسنا لله كما نُعرّض أنفسنا للنار، للشمس وللنور".

الأب رامي الياس اليسوعي