القديسة إليزابيت للثالوث الأقدس «أضواء

 

 

 

 

مقدّمة

بعدما تأملنا مع القديسة تريزيا الطفل يسوع ننتقل للتأمل مع القديسة إليزابيت للثالوث الأقدس.   هذه القديسة الكرملية التي راسلت الكثير من العلمانيين لتُشيع فيهم شعلتها الصوفية. هذه الراهبة الفتية التي توفّيت عند مطلع القرن العشرين، عن ستّة عشر ربيعًا، وهي في ملء إيمانها الفصحيّ بيسوع.

وإن بريق النعمة الذي يومض لدى عشّاق الله يُبهرنا دومًا، مهما قَصُرت حياتهم بيننا. فبينما لا يبدون دائمًا، أنّ تحوّلاً روحيًا ذا شأن، خلال حياتهم، قد غيّرهم، فإنّ تحليلاً دقيقًأ ونبيهًأ يكشف عن تطوّرهم الدّاخليّ وعن التبدّلات النفسية التي توسع آفاق العقل والقلب تحت تأثير النعمة. وبينما نكون ، بعد، مأخوذين بالمفاتن العالمية، وسط حالة عامة من الفقر في النفس، فإن تصرّفاتهم توحي لنا إصغاءً من لون آخر، إصغاءً للمطلق.

هكذا تصبح إليزابيت مرتبطة بنا أخويًا. وكونها تذوّقت مباهج الطفولة ومجابهة الألم في مرض لا شفاء منه، فهي تُخرجنا من عُزلتنا، وتقود خطانا في البحث عن معنىً للحياة، وتنفحُنا بقوّة نفسيّة غير متوقّعة، وترشدنا الى طريق السعادة الحقيقية حتى الدخول في معترك الحياة، كونها طوباوية وَضَعها الله في متناول الشباب الذين قاسمتهم حالة سنّهم فقط.

والقدّيسون والقديسات هم، كليًّا، أبناء زمانهم. وسياق حياتهم الاجتماعي والدينيّ لا يخرج عن نطاق اهتمامنا كي نجيد فهمم. وهم، الى ذلك قريبون جدًا منّا، نحن أبناء عصر آخر. فإذا نظرنا إليهم، نظرتنا الى أصدقاء وهداة، وعَينا تدريجيًا ، قُربهم.

وتُعتبر إليزابيت ـ أي بيت الله ـ في دائرة قدّيسي الكرمل، مُعدّة من قبل إنشاء العالم لتستجيب الى توقّعات الحياة الروحية الباطنية، التي يُطالب بها رجال عصرنا ونساؤنا. فإليزابيت تصغي، وتقرأ وتحفظ في قلبها، وتسجّل، بشكل يثير العجب. وهكذا تصبح بشكل تلقائي، معلّمة حياة روحيّة ، كونها كانت تلميذة أمينة مخلصة. وكذلك يمكن أن تصبح الباطنية منفذًا الى ملء الألوهة عبر فسحة كياننا: فالآب ينبوع؛ والعروس الحبيب يُشبع القلب في ليل الأحاسيس؛ والروح ينير آفاق الحياة كلّها.

وإليزابيت بتبنّيها نشيد القديس بولس، الى أهل أفسس تحبّ أن تُدعى "تسبحة المجد". أوليست غاية وجودنا في الكون اقتسام ذات حياة الله ـ الثلاثة ـ اقتسامًأ وجدانيًأ فندعَه يحبّنا في كل شيء؟ أوليس مجتمعنا بحاجة إلى هذه الإضافة في النفس؟

جميع قدّيسي الكرمل وقدّيساته ألّفوا قصائد ذات قيمة فنّية متفاوتة حتمًا. غير أن جميعهم شعراء بالمعنى الذي يبحثون عنه، بالحدس، عن هذه النعمة المشتركة بين الشعر والروحانية الصوفية. وهذه النعمة هي اختبار حميم لامتلاء في علاقة الكائن مع الموجود بكلمة الربّ الخلاّقة والفادية. فإليزابيت وُلدت شاعرة، وكيانها، لذلك، كان يهتزّ ويتأثّر بشكل طبيعيّ؛ فلقد تركت معهد "ديجون" الموسيقيّ لتدخل هذا التناغم الأبديّ الذي سبق أن وضع الله مناهجه على الأرض، في سماء الروح. وهي الآن مصرّة على قضاء أيّام سمائها في هداية بعض الباحثين عن المطلق في طريق الروحانية الباطنية والأمانة، هذا الطريق الذي جعله فتّانًا ساحرًا، ألله الذي يجد مجدَه دومًا في بنيه.

    من مقدمة الأب دومينيك بوارو، الكرملي 

يتبع...