المفهوم الراعويّ للزيارة البابوية. «أضواء


 

 

 

 


"إنّي آتٍ إليكم كحاجّ حاملاً الإيمان والرجاء والمحبّة"

إنّ مسيرة سينودس الأساقفة (الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط/ 10-24 ت1 2010) ستتوج بزيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر ليسلّم "لشعب الله الذي يعيش في هذه البقعة من الأرض الممتدّة من البحر الأبيض المتوسط إلى بلاد ما بين النهرين"، الإرشاد الرسولي "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة".

هذه الزيارة ليست فقط "زيارة رسمية" للبنان، بل لها بُعد راعوي يشمل كلّ أبناء كنائس الشرق الكاثوليك، وهي كنائس، ذات حقّ خاصّ، متحدة كلّها بالإيمان عينه والأسرار عينه والشركة الكاملة في الإيمان والمحبّة، مع أسقف رومة، خليفة بطرس الرسول.

1- الإيمان

(...)

في عالم تطغى عليه العقلانية وتنظمه العلوم، ليس إيماننا وكأنّه "منفصل في عالمه الخاصّ" (عظة قداسة البابا في ختام أعمال السينودس)  بل له عقلانيته (لوغوس)، فهو يحملنا إلى البحث عن المعنى الأساسي لكلّ ما في الكون، ويمكّننا من تفسيره، كما أنّ ينيرنا بالتوصيات الأخلاقية المناقبية لكي نفهم ونحيا كلّ شيء إنطلاقاً من الله وفي الله (زيارة البابا إلى المانيا 2011).

نحن مدعوون إلى " إعادة اكتشاف طريق الإيمان" (Motu proprio “ Porta Fidei”) لكي نستشفّ بشكل أكثر وضوحاً الفرح والحماس المتجدّدين بلقائنا بالمسيح الحيّ بيننا في كلمته وفي سرّ الإفخارستيا.

هذا الإيمان " يحفّز كلّاً منّا ليصبح علامة حيّة لوجود "القائم من الأموات" في عالمنا. وما يحتاجه عالم اليوم بشكل خاصّ، هو الشهادة الصادقة لهؤلاء الذين تنير عقولهم وقلوبهم كلمة الرب، وهم قادرون على فتح قلوب الكثيرين وعقولهم على شوق الله وشوق الحياة الحقيقية التي لا تنتهي. (Motu proprio “ Porta Fidei”)

2- الرجاء

" شهود القيامة والمحبة" (اللائحة الأخيرة للتوصيات، الفصل الثالث)

في أوضاعنا الحالية، في هذا "الليل الحالك" الذي نمرّ فيه، والساعات الصعبة من المحن، في غياب الأفق والخوف من المستقبل، والكثير من الخيبات، نستمدّ قوانا من إقتدائنا بالسيد المسيح في عيش الرجاء. فهو أيضاً عرف الخيبات ووجد نفسه في فراغ مأساوي: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟". ولم يعدنا السيد المسيح بمصير أحسن من مصيره، وهو مات على الصليب، ولكنّه قام من بين الأموات وعلى قيامته نبني رجاءنا.

"أن نرجو هو أن نلتزم" (رجاء جديد للبنان،32)

هذا الإلتزام يتحقق في حضورنا المسيحي في الشرق: حضور إيمان وصلاة، حضور رسالة وشهادة، حضور متجسّد، حضور خدمة، حضور مسكونيّ، حضور حوار، حضور من أجل الإنسان وكرامته وحريته وحقوقه.

 

3- المحبّة

"الإيمان يعمل في المحبة"

نحن، وقد حملنا بشرى الله السارّة لبني البشر، وكشهود لمحبّته، مدعوون، رغم كلّ الإضطرابات العاصفة في الشرق الأوسط، أن نحيا بروح التطويبات، فنعمل لنصبح بناة سلام ورسل مصالحة، ونساهم بكسر دوّامة الإنتقام والبغض والعنف المفرغة، (عظة قداسة البابا في ختام أعمال السينودس) فنطهّر ذاكرتنا بتفعيل الغفران الذي هو وجه من أوجه كمال العطاء. ومهما كانت وضيعة مساهمتنا في هذه الظروف الدولية المحيطة بنا، فإنّنا نستطيع أن نستحدث دينامية في هذا الإتجاه.

وفي الميدان الإجتماعي، نستطيع ان نتذكّر نداء قداسة البابا بولس السادس: " اليوم أكثر من أيّ زمن مضى، لا نستطيع ان نبشّر بكلمة الله ونجعل الناس يصغون إليها، إن لم تقترن الكلمة بشهادة لقدرة الروح القدس، الفاعل في خدمة المسيحيين لإخوانهم في المواقع التي تضع مصيرهم ومستقبلهم على المحكّ". فلنعمل لاحترام كرامة كلّ شخص بشري، ولتحقيق حرية الإعتقاد الديني وحرية الضمير، والتضامن مع الأشخاص الأكثر فقراً.هذا المجهود الغيريّ المبنيّ على المحبّة، مدعوّ إلى أن يتحوّل من ممارسة عفوية إلى عمل بنيوي لتحويل البنى الإجتماعية والسياسية نحو مزيد من العدل والحرّية، مرفقاً بتفعيل المبادرات الكفيلة بترسيخ الوجود المسيحي والحدّ من ظاهرة الهجرة.

وعلى مثال الجماعات المسيحية الأولى، "علينا أن نواجه التحديات المطروحة أمام الكنيسة الكاثوليكية ومنها أن نعزز الشركة داخل كلّ كنيسة ذات حقّ خاصّ من كنائسنا، والشركة بين الكنائس الكاثوليكية من مختلف التقاليد كافّة... نحن بحاجة إلى التواضع لنقرّ بحدودنا وأخطائنا وإهمالنا، لكي نكون حقيقةً " قلباً واحدة وروحاً واحدة". (عظة قداسة البابا في ختام أعمال السينودس)

" إنّ روح الشركة المتكاملة في قلب الكنيسة الكاثوليكية ينمّي الحوار المسكونيّ بين الكنائس والجماعات الكنسية الأخرى. وقد أكّدت الكنيسة الكاثوليكية، خلال هذه الجمعية السينودوسية اقتناعها العميق لمتابعة الحوار والصلاة وأعمال المحبّة لكي تتحقق بشكل كامل صلاة سيّدنا يسوع المسيح: "ليكونوا واحداً" (يو 17-21)" (عظة قداسة البابا في ختام أعمال السينودس)

هذا السعي الدؤوب إلى الوحدة هو بالنسبة لكنائسنا الشرقية قضية بقاء: "في الشرق، نكون مسيحيين معاً أو لا نكون" (الرسالة الراعوية الأولى لبطاركة الشرق الكاثوليك/ آب 1991)   

(من الدليل الراعوي والتقني لزيارة قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان " سلامي أعطيكم")