وردية مريم العذراء «أضواء

 

 

 

 

إنّ صلاة الوردية، مع كونها تتسّم بطابع مريميّ، هي فعلاً، صلاةٌ محورها المسيح. وهي تجمع في ذاتها وفي بساطة عناصرها، عمق البشارة الإنجيلية كلّها، وتشكّل خلاصتها تقريباً. فيها يتردّد من جديد صوت نشيد مريم، " تعظّم نفسي الربّ"، المستمرّ من أجل عمل التجسّد الفادي، الذي بدأ في حشاها البتوليّ. ومع الوردية، يتتلمذ الشعب المسيحي لمريم، كي يدع نفسه تدخل في تأمّل جمال وجه المسيح وفي اختبار عمق حبّه. بالورديّة، يغرف المؤمن وافر النعم، وكأنّه ينالها من يدي أمّ الفادي (المقطع 1).

"بالسلام عليك يا مريم" تمرّ الأحداث الأساسية من حياة يسوع المسيح. وفيما نجمعها في أسرار الفرح والألم والمجد والنور، يمكننا القول إنّها تضعنا في شركة حياة مع يسوع من خلال قلب أمّه. في الوقت نفسه، نستطيع أن نجمع في بيوت المسبحة جميع أحداث الحياة الفردية أو العيلية، وحياة بلدنا، والكنيسة والبشرية، أي أحداثنا الشخصية أو أحداث قريبنا، وبخاصة أقربائنا الأَدْنِين، الذين يشغلون قلبنا كثيراً. وهكذا تنساب صلاة الوردية البسيطة على وقع الحياة البشرية (المقطع 2).

إنّ صلاة الوردية تجد مكانها في أفضل تقليد للتأمّل المسيحي وأنقاه. إنّها، وقد انتشرت في الغرب، صلاةٌ تأمّلية نموذجية، وتقابل، نوعاً ما، "صلاة القلب" أو "صلاة يسوع"، التي نمت في تربة الشرق المسيحي (المقطع 5).

وإنطلاقاً من اختبار مريم، تُعتَبَر الوردية صلاة تأمّلية كاملة. وهي قد تصبح مبتورةً إذا ما نزعنا هذا المدى، كما أشار إلى ذلك البابا بولس السادس: "من دون التأمّل، تكون الوردية جسداً بلا روح، وتتعرّض تلاوتها لخطر أن تصبح ترداداً آليّاً لصيغ كلامية، وأن تعمل بعكس تنبيه يسوع: "ومتى صلّيتم، لا تسرفوا في الكلام كالوثنيين، فهم يتوهّمون أنّهم إذا ما أكثروا من الكلام، يُستجابون" (مت 6/7). إنّ تلاوة الوردية، بطبيعتها، تحتّم أن تكون الوتيرة هادئة وأن يُكرَّس لها ما يلزم من وقت، كي يستطيع الشخص الذي يتفرّغ لها، أن يتأمّل بشكل أفضل أسرار الربّ، من خلال قلب التي كانت الأقرب إليه. وهكذا يصدر عنها غنى لا يُسبر (المقطع 12).

تنقلنا الوردية، سرّيّاً، إلى جوار مريم، في بيت الناصرة، حيث هي مشغولة بمرافقة نموّ المسيح البشريّ. من هذا المنحى، تستطيع أن تربّينا وتصوّرنا بالإهتمام عينه، حتّى "يتصوّر" المسيح فينا بشكل تامّ (غل4/19). إنّ عمل مريم هذا، المتأصّل كلّيّاً في عمل المسيح وفي خضوع جذري له، "لا يعيق البتّة إتحاد المؤمنين المباشر بالمسيح، بل بالعكس، إنّه يعززه" (المقطع 15).

لكي نستطيع أن نقول بشكل كامل إنّ الورديّة هي "موجز للإنجيل"، يجدر بنا، إذاً بعد أن نذكر تجسّد المسيح وحياته الخفيّة (أسرار الفرح)، وقبل أن نتوقّف عند آلامه (أسرار الحزن)، ومن ثمّ عند انتصار القيامة (أسرار المجد)، أن نوجّه تأمّلنا نحو بعض اللحظات المعبّرة خصوصاً عن حياة يسوع العلنيّة (أسرار النور). إنّ إضافة هذه الأسرار من دون أن تمسّ أيّة ناحية جوهرية من أساس هذه الصلاة التقليدية، تهدف إلى أن نضعها في الروحانية المسيحية، بانتباه متجدّد، كمدخل حقيقي إلى أعماق قلب المسيح، لجّة الفرح والنور والألم والمجد (المقطع 19).

إنّ قوام تأمّلنا الوردية يكمن في تسليم أثقالنا إلى قلبي يسوع وأمّه الرحيمين... حقّاً إنّ الوردية "تعطي نمط الإيقاع للحياة البشرية"، كي تجانسها مع إيقاع الحياة الإلهية، في الشركة الفرحة مع الثالوث الأقدس، غاية وجودنا النهائي، والتوق إليها (المقطع 25).

مقاطع مختارة من الرسالة العامة "وردية مريم العذراء"

لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني