إثنين أسبوع الموتى المؤمنين «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (لو 12/ 1- 7)

 

 

 

 

1 في تلكَ الأثناء، احتشدَتْ عشراتُ الألوفِ مِن الجُموع، حتّى داسَ بعضُهم بعضًا، فبدأ يسوعُ يقولُ أوّلا ً لتلاميذه: "احذروا لأنفسِكُم مِن خميرِ الفرّيسيّين، الذي هو الرّياء.

 

2 فما مِن مَحجوبٍ إلّا سيُكشَف، وما مِن خفيٍّ إلّا سيُعرَف.

 

3 لذلكَ فكلُّ ما قُلتُمُوه في الظّلمةِ سيُسمَعُ في النّور، وما تكلّمتُم بهِ همسًا في المَخادِعِ سيُنادى بهِ على السّطوح.

 

4 وأقولُ لكُم، يا أحبّائي: لا تَخافوا مِمّن يقتلون الجسَد، وبعد ذلك لا يقدِرون أن يفعلوا أكثر.

 

5 بل أُبيّنُ لكُم مِمّن تخافون: خافوا مِمّن، إذا قتل، لهُ سُلطانٌ أنْ يُلقيَ في جهنّم. نعم، أقولُ لكُم، مِن هذا خافوا.

 

6 ألا تُباعُ خمسَةُ عصافيرَ بفلسَين، وواحدٌ منها لا يُنسى أمامَ الله؟

 

7 إنَّ شعرَ رأسِكُم كُلّهُ مَعدود، فلا تخافوا! إنّكُم أفضلُ مِن عصافيرَ كثيرة".

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 

 يدخلُ نصّ إنجيل هذا اليوم تحت العنوان التالي "لا تخافوهم"، المُعطى، في الترجمة الليتورجيّة، للآيات (1- 12)؛ توزّعت هذه الآيات على نصّين، وخُصّت بالتالي بيوميّ الإثنين والثلاثاء من أسبوع الموتى المؤمنين؛ النصّ الموازي في متّى (10/ 26- 33؛ 19- 20).

 

لِنصّ هذا اليوم إطارٌ عامّ: إحتشاد عشرات الألوف من الجموع حول يسوع؛ وله مضمون مكوّن مِن أقوال يسوع لتلاميذه؛ وقد انطوت هذه الأقوال على تحذيرهم من "خمير" الفرّيسيّين، أي تعليمهم، الذي هو الرّياء أو الكذب، وعلى إعلامهم أنّ كلّ محجوبٍ سيُكشَف، وكلّ خفيّ سيُعرَف، وعلى تعليم يدعوهم به إلى الخوف، لا مِمَّن أو مِمّا يقتل الجسد، بل مِمّن له سلطان أن يلقي الجسد في جهنّم.

 

 

 الرياء نوعٌ من الكذب؛ إنّه يقومُ على عدم التطابق بين ما يُضمِرُ المُتكلّم وبين ما يقول؛ بهذه الكلمة ومعادلتها يختصر يسوع الصّفات المشينة التي هي صفات الفرّيسيّين والكتبة؛ وبما أنّ هذا الرّياء "خمير"، فإنّه مستشرٍ فيهم: في أقوالهم وفي أفعالهم وفي تصرّفاتهم؛ تجدر الملاحظة هنا، إلى أنّ الفيلسوف الألمانيّ، كنْط، يعتبر الكذب الخطيئة الأكبر، لأنّه يطالُ الوعي لدى الإنسان، وينتقص هذه العطيّة الجوهريّة لديه، التي هي بذاتها، قوّة تَخاطـُـب وتداخل نفسيّ وذهنيّ مُتبادَل بين الناس.

 

 

 الآيتان (2-3)

 

 كلّ محجوب سيُكشف، وكلّ خفيّ سيُعرَف: لا يهتمّ الناس لهذا التنبيه، لهذه الحقيقة القادمة، لأنّهم يعيشون في الحاضر؛ مع أنّ ميزتهم، ميزتنا كناس، هي في إمكانيّة العيش في الماضي وفي المستقبل أيضًا؛ يكفي الإنسان وعي هذا الأمر، حتّى يجعلَ كلَّ محجوب لديه غير مُخزٍ، وغير مُخجل.

 

 

 الآيتان (4-5)

 

 يدعو يسوع تلاميذه: أحبّائي، ويُعطيهم الوصيّة التالية: لا تخافوا مِمّا يضرّ بالجسد، أي بوجودكم الزّمنيّ؛ لا تخافوا الناسَ المُضطهِدين (والكنيسة الناشئة كانت في مواجهة الاضطهاد)؛ لا تخافوا حياة التقشّف والحرمان...؛ بل خافوا الله الذي له سُلطان أن يُلقي في جهنّم؛ نعم، أقولُ لكُم مِن هذا خافوا: أيّ من الخطيئة التي تقود الخاطئ إلى الهلاك.

 

 الآيتان (6-7)

 

 لا تخافوا (7) في هذه الدّنيا، يقولُ يسوعُ لتلاميذِه، لأنّ الله الذي يعتني، حتّى بكلّ واحد من العصافير التي لا ثمن مُعتبرًا لها، وبالتالي العديمة القيمة، هو بالأحرى، يعتني بكم، إذ أنّكم بنظره أفضلَ من عصافير كثيرة، بما لا يُقاس؛ وعنايته هذه بكم، تطالُ حتّى شعر رأسكم فتُحصيه، ولا تسقط منه شعرة واحدة من دون إرادته الإلهيّة.

 

ثانيًا قراءة رعائيّة

 

 أعطيَ للآيات (1-12)، من الفصل 12، العنوان التالي "الصدق وعدم الرّياء"؛ في هذه الآيات، يطلب يسوع من تلاميذه جهادًا في سبيل الملكوت؛ ويعدهم بقوّة روحيّة تساعدهم على الثبات، لكي يظلّوا أمناء، حتّى في حال تهدّدت حياتهم البشريّة.

 

يحذّر يسوع تلاميذه، وينبّههم من "الخمير العتيق" الذي هو ينبوع النجاسة والفساد، كما جاء في (1قور 5/ 6-8)، والذي يدلّ هنا، على استعدادات سيّئة لدى الفرّيسيّين، لئلّا تصل إليهم عدواه القتّالة؛ يطلب يسوع من تلميذه ومن المؤمن به أن يقول الحقّ، دون مواربة ودون الاهتمام برأي الناس.

 

 

 الآيتان (2-3)

 

 كان صوت التلاميذ خافتًا قبل العنصرة، لكنّه انطلق بعدها وفي زمن الكنيسة؛ أمّا متّى (10/ 27) فإنّه يقابل بين كلام يسوع في "الظلمة"، وبين كرازة التلاميذ العلنيّة، "على السطوح".

 

 الآية (5)

 

 الله وحده يمتلك السّلطان أن يلقي في جهنّم؛ لهذا السبب، يطلب يسوع من المؤمن أن لا يخاف إلّا من الله؛ ولكنّ خوفه، بنظر لوقا، هو خوف الأبناء، لا خوف العبيد (لو 1/ 50؛ 18/ 2، 4؛ 23/ 40).

 

 

 الآيتان (6-7)

 

 الله الذي يهتمّ بعصافير لا قيمة لها، يهتمّ بالمؤمنين به، ولا ينساهم وقت الاضطهاد؛ يهتمّ حتّى بشعر رأسهم؛ والله الذي اهتمّ بالفتيان الأربعة في الأتون (دا 3/ 27-29)، فلم تحترق شعرة من رؤوسهم، فكيف يتخلّى عن مؤمنين به ويشهدون له؟

 

الأب توما مهنّا