الأربعاء من أسبوع الآلام الخلاصيّة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم (يو 11: 47 - 54)

 

 

47 فَعَقَدَ الأحبَارُ وَالفَرِّيسيُّونَ مَجلِسًا، وقَالُوا: "مَاذا نَعمَل؟ فَإنَّ هَذا الرَّجُلَ يَصنَعُ آياتٍ كَثِيرَة!

 

48 إن تَرَكنَاهُ هَكَذا يُؤمِنُ بِهِ الجَمِيع، فَيَأتِي الرُّومَانُ وَيُدَمِّرُونَ هَيكَلَنا وَأُمَّتَنَا".

 

49 فَقَالَ لَهُم وَاحِدٌ مِنهُم، وَهُوَ قَيَافَا، عَظِيمُ الأحبَارِ في تِلكَ السَّنَة: "أنتُم لا تُدرِكُونَ شَيئًا،

 

50 ولا تُفَكِّرُونَ أنَّهُ خَيرٌ لَنَا أن يَمُوتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فِدَى الشَّعبِ ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأسرِهَا!".

 

51 ومَا قَالَ ذلِكَ مِن تِلقَاءِ نَفْسِه، ولَكِنْ إذْ كَانَ عَظِيمَ الأحبَارِ في تِلكَ السَّنَة، تَنَبَّأَ بِأنَّ يَسُوعَ سَيَمُوتُ فِدَى الأُمَّة.

 

52 ولَيسَ فِدَى الأُمَّةِ وَحْدَهَا، بَل أيضًا لِيَجمَعَ في وَاحِدٍ أولادَ اللهِ المُشَتَّتِين.

 

53 فَعَزَمُوا مِن ذَلِكَ اليَومِ على قَتلِ يَسُوع.

 

54 فَمَا عَادَ يَتَجَوَّلُ عَلَنًا بَينَ اليَهُود، بَل مَضَى مِن هُنَاكَ إلى نَاحِيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنَ البَرّيّة، إلى مَدِينَةٍ تُدعَى إفرَائِيمَ، وأقَامَ فِيهَا مَعَ تَلاميذِهِ.

 

 

 

أوّلًا قرائتي للنصّ

 

 

 نصّ إنجيل هذا اليوم مدرج بين الآيات المُعطى لها العنوان التالي "المؤامرة على يسوع" (الترجمة اللّيتورجية)، "ما نفعل بهذا الرّجل؟"، "محاولة قتل يسوع" (قراءة رعائية)؛ له نصّ موازٍ في متّى (26: 1 - 5)، وآخر في مرقس (14: 1 - 2)، وثالث في لوقا (22: 1 - 2)؛ يستعمل يوحنّا الإنجيليّ كلمة "مجلس" في النكرة، ليدلّ على أنّه لم يكن مجلسًا رسميًّا، بحضور جميع الأعضاء، بل كان مجلسًا مصغَّرًا، بحضور بعض أعيان اليهود؛ ويربط الإنجيليّ اسم قيافا، عظيم الأحبار، بسنة موت يسوع، سنة الخلاص للأمّة، كما تنبّأ هذا الأخير، وهو لا يدري! إنّ كهنوت قيافا القديم، وقد أوشك أن يزول، قد أنبأ بالنظام الجديد الذي حقّقه يسوع بموته وقيامته؛ فموت يسوع كان شرطًا للخلاص الموعود، ليجمع الشعوب كلّها في شعب واحد.

 

 

 

 ما أن بلغ خبر إحياء يسوع لِلَعازَر إلى الأحبار والفرّيسيين، حتى عقدوا مجلسًا لكي يتشاوروا حول السؤال التالي: "ماذا نفعل؟"، أي ماذا يجب علينا وماذا يمكننا أن نعمل فيما يختصّ بظاهرة "هذا الرجل"، يسوع المسيح، الذي، باعترافهم، "يصنع آيات كثيرة؟"، وذلك للحؤول دون تردّي الأمور وحصول نتائج وخيمة، كانوا يتوقّعونها، على الصعيد الدينيّ، "فيؤمن به الجميع"، وعلى الصعيد السياسيّ، "فيأتي الرومان ويدمّرون هيكلنا وأمّتنا"، أي كلّ البلاد اليهودية.

 

 

 أخذ قيافا الكلام، بصفته عظيم الأحبار، ودعاهم إلى الإدراك والتفكير، لرؤية الحلّ الذي اقترحه بقوله: "... خير لنا أن يموت رجل واحد فدى الشعب، ولا تهلك الأمّة بأسرها"؛ لقد تنبّأ، ليس من تلقاء نفسه، بل بصفته عظيم الأحبار في تلك السنة، بأنّ آية يسوع العظمى هي في أن يموت، ليس فقط فدى الأمّة، بل لكي يجمع الشعوب المشتّتين في شعب واحد جديد.

 

 

تجدر الإشارة إلى أنّ آيات يسوع كانت تحظى بردّات فعل متناقضة: فيض من الإيمان عند البعض، وإمعان في الكفر عند البعض الآخر، خصوصًا عند الأحبار والفرّيسيّين وقادة الشعب، حسدًا منه وتخوّفًا من التجمّع الشعبيّ حوله.

 

 

 قرّر يسوع الإعتزال، إلى أن تأتي الساعة، فمضى إلى مدينة تدعى "إفرائيم": يرجّح أن تكون "الطيّبة" اليوم، الواقعة على حدود الصّحراء، على مسافة عشرين كلم. من شماليّ شرقيّ أورشليم؛ يمضي الآن يسوع إلى البريّة، بعد الحكم عليه بالفعل، كما مضى إلى عبر الأردن، بعد محاولة القبض عليه (يو 10: 39)؛ وكما عاد من هناك فأقام لَعازَر، سيعود، ستّة أيّام قبل عيد الفصح، ليدخل أورشليم علانيّة؛ وسيسلِّم نفسه حرًّا مريدًا إلى مَن قرّروا موته، فدى الشعب والأمّة البشرية بأسرها.

 

 

ثانيًا "قراءة رعائية"

 

 شرح عبارات وكلمات

 

 

 

 عقد الأحبار والفرّيسيّين مجلسًا (47)

 

لأنّهم كانوا خائفين من ثورة تجعل الرّومانيّين يتدخّلون ويدمّرون أورشليم وأقدس ما فيها: الهيكل.

 

 

 

 قيافا عظيم الأحبار (49)

 

كان قيافا رئيس كهنة سنة (18 - 36) مسيحيّة؛ يشدّد متّى الإنجيليّ (26: 3، 57)، على دوره في موت يسوع.

 

 

قول قيافا: "إنّه خير لنا أن يموت رجل واحد فدى الشعب، ولا تهلك الأمّة بأسرها" (50)، يعني، من المنظار اليهوديّ، أنّ يسوع الذي يثير القلاقل، يجب أن يموت، وإلاّ ماتت الأمّة كلّها؛ يجب أن يموت فدى الشعب، أي بدل الشعب: فإذا لم يمت، يموت الشعب في ثورة؛ هنا، نتذكّر ما تركته الحرب (68 - 70) وراءها من موت ودمار؛ أمّا قوله، من المنظار المسيحيّ، وحسب يوحنّا الإنجيليّ، فيعني بأنّ يسوع سوف يموت من أجلنا، من أجل خلاصنا؛ سوف يؤمّن بموته خلاص إسرائيل (الأمّة)، ويجمع أبناء الله المشتّتين في شعب واحد جديد.

 

 

 عندما اتّخذ المجلس القرار بقتل يسوع، وبما أنّ ساعته لم تكن قد جاءت، تحلّى يسوع بالفطنة، وابتعد عن أورشليم والهيكل؛ إنّه سيموت عن الشعب في الوقت الذي حدّده الله الآب.

                                                                          

 

  الأب توما مهنّا