الإثنين الأول من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

إنجيل اليوم  (يو 3/ 5-8)

 

5 قال الرَّبُّ يسوع: "الحقَّ الحقَّ أقولُ لك، لا أحد يقدرُ أن يدخل ملكوت الله ما لم يُولد من الماء والرّوح.

 

6 مولودُ الجسدِ جسد، ومولودُ الرّوحِ روح.

 

7 لا تعجَب إن قلتُ لكَ: عليكم أن تولدوا من جديد.

 

8 الرّيحُ تهبُّ حيثُ تشاء، وأنتَ تسمعُ صوتها، لكنّكَ لا تعلمُ من أين تأتي ولا إلى أين تمضي: هكذا كلُّ مولودٍ من الرّوح".

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

 يتّضح من كلام يسوع مع نيقوديموس بأنّ الشرط الذي لا بدّ منه لدخول ملكوت الله هو الولادة من جديد؛ والولادة من جديد هي الولادة التي تجعلنا أبناء الله؛ وهي الولادة من الماء والروح التي تتمّ بالعماد؛ وهي ثمرة نموٍّ مطّرد، مدى الحياة، بقوّة الروح القدس.

 

الكلمة التي تعني الروح، في الآراميّة واليونانيّة، تعني في الوقت عينه الريح: لذلك شبَّهَ العهدُ القديم عملَ الله السرّيّ بالريح الخفيّة؛ فعمل الروح القدس فينا، عمل خفيّ وفاعل، به تتحقّق في كلٍّ منّا مقاصدُ الله، التي لا يدركها إنسان.

 

 الآية (5)

 

الولادة من جديد هي الولادة من ماء العماد والروح القدس (طي 3/5-7)؛ تذكر الآيات الثلاث (6-8)، التي هي شرح للآية (5)، وتوضيح لها، كلمة "روح"، وتهمل كلمة "ماء"، لأنّ الولادة الجديدة التي تتمّ بالعماد - وهذا يتمّ، كما يشير الإنجيليّ، بجمع اللَّفظتَين بحرف جرّ واحد: "من الماء والروح" - تنمو فينا، مدى الحياة، بقوّة الروح القدس.

 

الرّوح والرّيح (8)

 

كلمة واحدة، في الآراميّة واليونانيّة، تعني الروح والريح؛ لذلك، يشبّه العهد القديم عمل الله السرّيّ بالرّيح الخفيّة (جا 11/5؛ مثل 30/4؛ سير 16/21)؛ إذن، المقصود من المثل هنا، القول إنّ عمل الله خفيّ حرّ، ولكنّه حاضر وفاعل، وهادف الى تحقيق مقاصد الله التي لا يدركها إنسان.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 الآية (5)

 

نحن أمام كلام عن المعموديّة: يُغسل طالب العماد بالماء، ويدعى الروح لكي يترل عليه ويقدّسه؛ بالمعموديّة تتمّ الولادة الجديدة، كما تمّت ولادة الخليقة في البدء، بفعل الروح الذي حلّ في الماء (تك 1/2)؛ إنَّ الماء الذي صار، بفعل الروح، موضع الحياة، حياة الجسد وحياة الروح (راجع حز 37).

 

 

 الآية (6)

 

الجسد (اللَّحم والدمّ، الوضع البشريّ للإنسان) يمثّل الطبيعة البشريّة بإمكانيّاتها ومحدوديّتها؛ الروح يدلّ على حضور الله الذي هو أصل الحياة المسيحيّة؛ فعلى نيقوديموس ألاّ يبقى على مستوى الجسد؛ بل عليه، بالأحرى، أن يولد ولادة ثانية (7)، أي أن يرتفع إلى مستوى الروح؛ وجاء هذا الكلام الموجَّه إلى نيقوديموس بصيغة الجمع ليدلّ على أنّ جميع الآتين إلى يسوع عليهم أن يولدوا هكذا من جديد.

 

 

 الآية (8)

 

كلمة واحدة، في العبريّة والآراميّة واليونانيّة، تدلّ على الروح والريح؛ لهذا قابل الأقدمون بين عمل الريح الخفيّ وعمل الروح في تجديد القلوب؛ الإنسان الجديد يحرّكه الروح بسلطانه المطلق (راجع أم 30/4، سي 16/21).

 

 

الأب توما مهّنا