الثلاثاء من أسبوع الأبرار والصديقين «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (متّى 5/ 13-16)

 

13 أنتُم ملحُ الأرض. فإذا فَسَدَ المِلحُ فأيُّ شيءٍ يُملّحُهُ؟ إنّهُ لا يعودُ يَصلحُ لشيء، إلّا لأن يُطرَحَ في الخارج وتَدوسَهُ النّاس.

 

14 أنتُم نورُ العالم. لا يُمكنُ أن تُخفى مَدينة ٌ مبنيّة ٌ على جبل.

 

15 ولا يوقدُ سِراجٌ ويوضَعُ تحتَ المِكيال، بل على المنارة، فيُضيءُ لكلِّ مَن في البيت.

 

16 هكذا فليُضئ نُورُكُم أمامَ النّاس، ليَرَوا أعمالكُم الصالحة، ويُمجّدوا أباكُمُ الذي في السّماوات.

 

 

أوّلا ً قراءتي للنصّ

 

أُعطيَ لنصّ هذا اليوم العنوان التالي "ملح الأرض ونور العالم"؛ لهُ نصّ موازٍ في مرقس (9/ 50؛ 4/ 21)، وآخر في لوقا (14/ 34-35؛ 8/ 16؛ 11/ 33).

 

 يكشف يسوع لتلاميذه وللمؤمنين به، جماعةً وكنيسةً، عن رؤيته لهم، وعمّا يريد أن يكونوه في ذاتهم، وأن يقوموا به، على هذه الأرض، وفي هذا العالم، فيقول لهم: "أنتُم ملح الأرض"، و"أنتم نور العالم"! أنتم الطّعم الجيّد والخمير الصالح في هذا العالم؛ فحيث أنتم، لا يجوز أن يكون فساد! ولكن، على هذا الملح، في ذاته، ألّا يفسد؛ لأنّه، إذا فسد، فلا شيء يمكنه أن يُعيد إليه ملوحته، ولا يعود، في حال فساده، يصلح لشيء، بل يُطرح في الخارج وتدوسه أقدام الناس؛ وعلى هذا النور أن يُبدّد الظلام، وأن يُري السّائرين في هذا العالم، الطريق المُستقيم؛ لذلك يجب أن لا يخفى هذا النّور، بل أن يوضَعَ في المكان المناسب (على المنارة)، لكي يضيء لكلّ مَن هُم في البيت (حيث هو)، ولكي ينتشر نوره أمام النّاس وفي العالم، بأعمال صالحة وبارّة، بأعمال رحمة تحمل المعاينين لها، والمستفدين منها، أن يمجّدوا "أباكُم الذي في السّماوات".

 

 

 

 قد يفيدنا تمييز مُمكن، وبخاصّة على صعيد الأفراد،  فساد الملح، الذي هو عطل كيانيّ يعطـِّل النّور في ذاته، بل يحول دون فعل الإضاءة فيه؛ النصّ يُشير إلى أنّ تعطيل فعل الملح متأتٍّ مِن تعطيل كيان الملح وفساده، بينما تعطيل فعل النّور مُتأتٍّ من المكان الموضوع فيه (تحت المكيال)، بمعنى أنّ إبدال هذا المكان بالمكان المناسب، يزيل التعطيل، وتعود الإضاءة.

 

 

ثانيًا قراءة رعائيّة

 

 حين يدعو يسوعُ تلاميذهُ الملح والنّور، يدلّ على دورهم الضّروريّ في المجتمع، لأنّ الإنسان لا يقدر أن يستغني عن الملح والنّور؛ ولكنّ هذا الدّور مشروط بأن يظلّوا مِلحًا حقيقيًّا، لا يفقد طعمهُ، ونورًا على المنارة مُضيئًا.

 

ولكن إذا خسرَ الملحُ قوّته، فلا يعودُ ينفع، ويُرمى في الخارج، أي لا يعود التلميذ عنصرًا حيًّا في الكنيسة (مر 4/ 11)، وبالتالي، لا يكون الشّاهد لحضور الملكوت، ومن أجلِ هذا، يدوسه النّاس احتقارًا.

 

 وكذلكَ النّور (الأعمال الصّالحة)، فلا يجوز أن يوضَعَ تحتَ المكيال، بل يوضَعَ على مكانٍ مُرتفع (جبل، منارة)، لكي يراهُ جميعُ الناس؛ في هذا المجال، يقول بولس الرّسول: "صِرنا مشهدًا للعالم والملائكة والبشر" (1قور 4/ 9).

 

الآية (16)

 

الأعمال الصّالحة هي النّور في حياتنا، وهي تشهدُ لحضور اللهِ فينا؛ ترد العبارة: "أباكم الذي في السّماوات" 71 مرّة عند متّى، ومرّة واحدة عند كلٍّ من مرقس ولوقا، ولا ترِدُ أبدًا عند يوحنّا؛ تحدَّثَ الأقدمون عن السّماء (موطن الله)، وعن الأرض (موطن الإنسان)، وعن تحت الأرض (موطن الموتى)؛ لكنّ إله يسوع المسيح لم يعُد في السّماء، وكأنّه بعيد، بل صار قريبًا منّا، حين أخذ ابنُهُ جسدًا وسكن بيننا.

 

الأب توما مهنّا