الخميس الثالث من الصوم الكبير «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم (لو 17: 20-37)

 

 

20 وسأَلَ الفِرِّيسِيُّونَ يَسٌوع: "مَتَى يَأتِي مَلَكُوتُ الله؟". فَأَجَابَهُم وقَالَ: "مَلَكُوتُ اللهِ لا يَأتِي بالمُرُاقَبَة.

 

21 وَلَن يُقَال: هَا هُوَ هُنا، أَو هُنَاك! فَهَا إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ في دَاخِلِكُم!".

 

22 وقالَ لِلتَّلامِيذ: "سَتَأتِي أَيَّامٌ تَشتَهُونَ فِيها أَن تَرَوا يومًا واحِدًا مِن أَيَّامِ ابنِ الإِنسان، ولَن تَرَوا.

 

23 وسيُقَالُ لَكُم: هاهُوَ هُناك! هاهُوَ هُنا! فلا تَذهَبوا، ولا تَهرَعُوا.

 

24 فَكَمَا يُومِضُ البَرقُ في أُفُق، ويَلمَعُ في آخَر، هَكَذا يَكُون ابنُ الإِنسانِ في يَومِ مَجِيئِهِ.

 

25 ولَكِن لا بُدَّ لَهُ أوّلًا مِن أن يَتَألَّم كَثِيرًا، ويَرذُلَهُ هذا الجِيل!

 

26 وكَما كَانَ في أَيَّامِ نُوح، هَكَذا يَكُونُ في أَيَّامِ ابنِ الإنسان:

 

27 كانَ النَّاسُ يأكُلُونَ ويَشرَبُون، ويَتَزَوَّجُونَ ويُزَوِّجُون، إِلى يَومَ دخَلَ نُوحٌ السَّفِينَة. فَجَاءَ الطُّوفَانُ وأَهلَكَهُم أَجمَعِين.

 

28 وكَمَا كَان أيضًا في أَيَّامِ لُوط: كان النَّاسُ يأكُلُونَ ويَشرَبُون، ويَشتَرُونَ ويَبِيعُون، ويَغرِسُونَ ويَبْنُون.

 

29 ولكِن يَومَ خَرَجَ لوطٌ مِن سَدُوم، أَمطَرَ اللهُ نارًا وكِبرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فأهلَكَهُم أَجمَعِين.

 

30 هَكذا يَكونُ يَومَ يَظهَرُ ابنُ الإِنسَان.

 

31 في ذَلِكَ اليَوم، مَن كَانَ على السَّطْحِ وأَمتِعَتُهُ في البَيت، فَلا يَنـزِلْ لِيَأخُذَهَا. ومَن كانَ في الحَقل، فكَذَلِكَ لا يَرجِعْ إِلى الوَرَاء.

 

32 تذَكَّرُوا امرأَةَ لُوط!

 

33 مَن يَسعَى لِكَي يَحفَظَ نَفسَهُ يَفقِدُها، ومَن يَفقِدُ نَفسَهُ يَحفَظُهَا حَيَّةً.

 

34 أَقولُ لَكم: في تِلكَ اللَّيلَة، يَكونُ اثنَانِ على سَريرٍ واحِد، فَيُأخَذُ الواحِد ويُترَكُ الآخَر.

 

35 واثنَتَان تطحَنانِ معًا، فَتُأخَذُ الواحِدةُ وتُترَكُ الأُخَرى"

 

36 ...

37 فأجَابُوا وقالُوا لَهُ: "إلى أَينَ يا رَبّ؟" فقالَ لَهم: "حَيثُ تَكُونُ الجُثَّة، فَهُنَاكَ تَجتَمِعُ النُّسُور".

 

 

 

 

أوّلًا "الترجمة اللّيتورجيّة"

 

 أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم عنوانان، الأوّل "متى يأتي ملكوت الله" (20-21)؛ والثاني "يوم ابن الإنسان" (22-38).

 

 جاء حوله في "كتاب القراءات":

 

يركزّ هذا النصّ على السؤال الذي يشغل عقول اليهود، ولا يزال، عن مجيء المسيح، وعلى جواب يسوع الصريح أنّ ملكوت الله، بين الناس، قد بدأ ببشارة يسوع وآياته؛ فحضوره حقيقة راهنة، وقوّة فاعلة بين البشر.

 

 الآيتان (20-21)

 

ليس مستغرَبًا أن يسأل الفرّيسيون يسوع: "متى يأتي ملكوت الله؟"، لأنّهم كانوا، والشعب اليهوديّ، في أجواء الوعد الإلهيّ بالخلاص، وفي انتظار مجيء المخلّص؛ وكانوا يفتّشون في كتبهم المقدّسة عن آيات تحدّد زمن هذا المجيء، ويرقبون السماوات، علّهم يرون العلامات الخارقة التي سوف تسبق هذا المجيء؛ فأجابهم يسوع، مصحِّحًا أوّلًا، ما كان لديهم من قناعات خاطئة، كتوقُّع معرفة ملكوت الله بالمراقبة، أو توقُّع رؤيته هنا أو هناك؛ ومطلعًا إيّاهم ثانيًا، على أنّ هذا الملكوت قد أتى، وهو الآن فيما بينهم، وفي داخل المفتّشين عنه الحقيقيّين، والمؤمنين به.

 

 

 الآيات (22-35)

 

ثمّ يتوجّه يسوع إلى تلاميذه، مسترعيًا إنتباههم إلى أمور ثلاثة، تدخل في إطار السؤال أعلاه: فيدعوهم أوّلًا، إلى وعي الحاضر الذي هم فيه، إذ هم الآن، بحضوره معهم، في أيّام نعمة كبيرة، يتذوّقون فيها نعيم الملكوت؛ وينبّههم ثانيًا، إلى أنّه، هو بالذات، في مسيرة زمنيّة، سوف تؤدي به إلى رفض هذا الجيل له، وإلى تسليمه للآلام حتّى الموت؛ وإلى أنّهم هم والمؤمنون على يدهم، بالغون إلى فترة من الزمن، يلقون فيها الضيق والاضطهاد، ومجابهة قوى الشرّ لهم، فيشتهون استعادة يوم من أيّام النعمة هذه، ولن يعطوا؛ وينبئهم ثالثًا، عن مجيئه الثاني، عن يوم ابن الإنسان، الذي لن يعطى لإنسان أن يترقّبه بقواه المعرفيّة، ويعطي معلومات صحيحة عنه، والذي سوف يتمّ في ومضة كالبرق، ويأتي معه ملء ملكوت الله.

 

 

 الآيات (26-30)

 

 

يقيم لوقا مقارنة بين وضع البشر وما حدث لهم، أيّام نوح وأيّام لوط، وبين وضعهم وما سوف يحدث لهم، يوم يظهر ابن الإنسان في آخر هذا الزمان؛ في أيّام نوح، كان الناس "يعيشون"، أي يقومون بمتطلّبات هذه الحياة الزمنيّة: "يأكلون ويشربون، ويتزوّجون ويزوّجون، إلى يوم دخل نوح السفينة، فجاء الطوفان وأهلكهم جميعًا؛ وفي أيّام لوط، كان الناس "يعيشون" أيضًا،" ... يشترون ويبيعون، ويغرسون ويبنون"، إلى يوم خرج لوط من سَدوم، فأمطر اللهُ نارًا وكبريتًا من السماء، وأهلكهم جميعًا؛ "هكذا يكون، يوم يظهر ابن الإنسان".

 

 

 الآيات (31-37)

 

يشدّد لوقا، بالتكرار، على مجيء يوم ابن الإنسان (22، 24، 26، 30، 31، 34)؛ في ذلك اليوم، لن يكون فائدة من شيء (31: "مَن كان على السطح وأمتعته في البيت، فلا ينزل ليأخذها")، ولن تكون جدوى من تَحَرُّك (31: "ومَن كان في الحقل، فكذلك لا يرجع إلى الوراء")؛ بل فَلْيَبْقَ كلّ واحد في ذاته، حيث هو وكما هو؛ ولْيَبْقَ كلّ واحد مع ذاته حصرًا، أيّ من دون علاقة بغيره وبما يحدث (34، 35، 36)، وإلّا تعرَّضَ إلى فقد ذاته مع حدوث نقص جسيم (32: امرأة لوط)؛ هل هذا الشرح مفهوم ومقبول؟

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 الآيتان (20-21)

 

سؤال الفرّيسيّين: "متى يأتي ملكوت الله؟" هو السؤال الكبير في وقت يسوع (دا 9: 2)؛ رأى متّى مرقس مجيء الملكوت في مستقبل غير محدَّد؛ أمّا لوقا، فأعلن أنّه هنا، وأنّه يبني منذ الآن (21)؛ هو في وسط التلاميذ، وفي الكنيسة، وفي عمل الخلاص الذي يتمّ يومًا بعد يوم، وفي شخص يسوع ذاته.

 

 

 الآيات (22-24)

 

أمّا يوم ابن الإنسان، يوم المجيء النهائيّ للملكوت، فإنّه لا يأتي بالمراقبة، أي لا يمكننا ان نلاحظ كما نلاحظ البرق والرعد، ولا أن نشاهده بشكل ملموس؛ ولا يمكن لأحد أن يتوقّعه؛ فعلينا إذن، بالتنبّه والجهوزيّة أمام علامات الأزمة.

 

 

الآية (25)

 

هناك مجيء أوّل ليسوع في قيامته، التي تسبقها الآلام حتّى الموت؛ فإذا ما تقبّلنا يسوع القائم بالإيمان، نجد هذا الملكوت (راجع 12: 54-56).

 

 

 الآيات (26-30)

 

على قدر ما ندخل، بإيماننا، في إطار يوم ابن الإنسان (لو 17: 22-37)، على قدر ذلك نفهم معنى هذه الآيات (26-30): علينا أن نكون ساهرين، فلا نتصرّف مثل جيل نوح الذي عرف الطوفان، وجيل لوط الذي رأى خراب سَدوم؛ وهكذا، نرانا أمام نداء إلى التوبة الدائمة.

 

 

 الآيتان (31-32)

 

لا مهرب من هذا اليوم، يوم ابن الإنسان (إر 4: 6؛ 6: 1)؛ تَطَلَّعَت امرأة لوط إلى الوراء (تك 19: 26)، فتحَوَّلَت إلى نُصُب ملح، أي صارت في الموت.

 

 

 الآية (34)

 

هناك نهاية أُولى للإنسان في الموت؛ يكون اثنان...، يموت الواحد ويبقى الثاني؛ الواحد يدخل في الملكوت، والآخر يُدان.

 

 

 الآية (37)

 

راجع (آش 18: 6؛ 34: 15-16): هذا يعني أن لا أحد يفلت من الدينونة (راجع متّى 24: 28).

 

 

الأب توما مهنّا