الخميس الثامن من زمن العنصرة «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (لو 11 /14-23)

 

 

كان يسوع يخرج شيطانًا أخرس. فلمّا أخرج الشّيطان تكلّم الأخرس، فتعجّب الجموع. وقال بعضهم: "إنّه ببعل زبول، رئيس الشّياطين، يخرج الشّياطين". وكان آخرون يطلبون منه آيةً من السّماء ليجرّبوه. أمّا يسوع فعلم أفكارهم وقال لهم:"كلُّ مملكةٍ تنقسم على نفسها تخرب، فيسقط بيت على بيت. وإن انقسم الشّيطان أيضًا على نفسه، فكيف تثبت مملكته؟ لأنّكم تقولون: إنّي ببعل زبول أخرج الشّياطين. وإن كنت أنا ببعل زبول أُخرج الشّياطين، فأبناؤكم بمن يخرجونهم؟ لذلك فهم أنفسهم سيحكمون عليكم. أمّا إن كنت أنا بإصبع اللّه أُخرج الشّياطين، فقد وافاكم ملكوت اللّه. عندما يحرس القويّ داره وهو بكامل سلاحه، تكون مقتنياته في أمان. أمّا إذا فاجأه مَن هو أقوى منه وغلبه، فإنّه يجرّده من كامل سلاحه، الذّي كان يعتمد عليه، ويوزّع غنائمه. مَن ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يبدّد".

 

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

 

 نحن أمام أفكار عدّة في هذا النصّ، قد لا تدخل كلّها تحت العنوان المقترح له، وهو يسوع وبعل زبول؛ كيف يمكن إبراز الرابط فيما بينها؟

 

 

 ينطلق النصّ من شفاء يسوع الأخرس. أخرج يسوع  الشيطان منه، فتكلّم؛ جاءت ردّات الفعل عديدة. تعجّب الجموع، وقال بعضهم إنّه يخرج الشياطين ببعل زبول، رئيس الشياطين، وطالب آخرون بآية أخرى من السماء،  ليؤمنوا.

 

 

 قرأ يسوع أفكارهم هذه من دون أن يفصحوا عنها، وبيّن لهم، في بدء جوابه عليهم، بأنّهم على خطأ في تفكيرهم، عندما يقولون إنّه يخرج الشياطين ببعل زبول؛ لأنّ ذلك يعني، إذا ما كان صحيحًا، من جهة، أنّ مملكة الشيطان قد انقسمت على نفسها، وبالتّالي خربت (منطق أهل الأرض)؛ ومن جهة أخرى، أنّ أبناءهم، هم أيضًا، يخرجون الشياطين ببعل زبول، وبالتّالي سيحكمون عليهم (منطق المهاجمين أنفسهم)؛ لذلك، تابع يسوع جوابه، مبيّنًا لهم بأّنّ الصواب هو في القول بأنّه يخرج الشياطين بإصبع اللّه (منطق روح اللّه)، وبأنّه بالتّالي، هو "القوي" الذي جاء (وافاكم ملكوت اللّه)، لكي يغلب "القوي"(الشيطان)، ويجرّده من سلاحه، وينتصر نهائيًّا عليه.

 

 

 

 

 الآية (23)

 

نحن، مع هذه الآية، أمام عنصر جديد في روحانيّة رسول يسوع أو تلميذه: خيار المسيح الجذريّ؛ ما ينقض هذا الخيار، بنظر الجميع، هو رفض المسيح وعدم قبول رسالته؛ وينقض هذا الخيار أيضًا، وهذا هو الجديد هنا، هو موقف الحياد من السيّد المسيح:"مَن ليس معي فهو عليّ، ومَن لا يجمع معي، فهو يبددّ" (متّى 12/30).

 

تجب الإشارة هنا، إلى أنّ موقف الحياد هذا ينقض علاقتنا بالمسيح، ولا ينقض علاقتنا بالكنيسة. عندما قال الرسل ليسوع، بلسان يوحنّا: "يا معلّم، رأينا رجلاً يخرج الشياطين باسمك، وهو لا يتبعنا، فمنعناه، لأنّه لا يتبعنا"(مر 9/38)، قال لهم يسوع:"لا تمنعوه..."(مر 9/39)، "لأنّ مَن ليس علينا، فهو معنا" (مر 9/40)؛ ألا نرى هنا أساسًا هامًّا للوحدة بين المسيحييّن. يكفي للفقراء الاعتراف بالمسيح، حتّى تتكوّن الوحدة في ما بينهم.

 

 

 

 

 الآية (14)

 

 

يخرج يسوع "شيطاناً أخرس" (هنا)، أو "روح مرض" (لو 13/11، 16)، فيشفي الإنسان المريض شفاءه حماة بطرس من "الحمّى" (لو 4/39).

 

 

الآية (17).

 

المملكة والبيت مَثلان في متّى (12/25)، وفي مرقس (3/24-25)، أمّا في لوقا فهما مثل واحد. ليس الكلام على الشقاق في المملكة، وفي البيت، بل في المملكة، وتسقط حينئذٍ بيوتها.

 

 

الآية (19)

 

 

يسلّم الفرّيسيّون بأنّ تلاميذهم يُخرجون الشياطين بروح اللّه، وينكرون على يسوع هذا السلطان؛ في ذلك دليل على خبثهم، وعلى صدق تلاميذهم، وهؤلاء يحكمون على خبث أولئك.

 

 

الآية (20)

 

 

يستعمل لوقا التعبير "بإصبع اللّه"، بدل "بروح اللّه" (متّى 12/28)، ويستعمله العهد القديم ( في خر 8/15)، حيث يقّر سحرة مصر بأنّ إصبع اللّه في رسالة موسى (كما يستعمله في خر 31/18؛ تث 9/10)، حيث يكتب اللّه بإصبعه لوحي الوصايا؛ وكان اليهود المعاصرون ليسوع يعتقدون أنّ الشيطان يملك على العالم؛ فإذا كان يسوع يخرج الشياطين، فقد أتى ملكوت اللّه، وقام على أنقاض مملكة الشيطان.

 

 

 يتفرّد لوقا بالآية 22؛ يأتي التعبير "أقوى منه" في حديث المعمدان عن يسوع (3/16)؛ قويّ الشيطان، ولكنّ المسيح أقوى (رسل 10/38؛ رؤ 20/1-3).

 

 

 

ثانيًا  "قراءة رعائيّة"

 

 

 

  الآية (15)

 

بعل زبول، أو بعل زبوب، هو رئيس الشياطين، هو إله عقرون (2 مل 1/2)، صار بعل الزبل (والزبل يدلّ على الأصنام)؛هكذا سمّوا يسوع، فاعتبروا أنّ قدرته هي من الشيطان، لا من اللّه؛ وسيعاملون التلاميذ بالطريقة عينها، فيجعلون منهم خدّامًا للسّياسة والمال والسلطة، ليرفضوا الإنجيل الذي يقدّمونه إليهم.

 

 

الآية(16)

 

 

اعتبر بعضهم أنّ آية شفاء الأخرس ليست الآية التي كان اليهود يطلبونها من يسوع، بشيء من التحدّي (يجرّبونه)؛ كانوا يطلبون آية من السماء، آية من نوع آخر، كأن تظلم الشمس عند الظهيرة مثلاً...

 

 

 

 الآية (19)

 

 

لا يقول يسوع أنّ اليهود، الرؤساء، يخرجون حقًا الشياطين، بل يورد كلامهم على أنّهم يطردون الشياطين بقدرة اللّه؛ ألاّ يستطيع يسوع أن يكون مثلهم؟ ولِمَ لا؟

 

 

                   الأب توما مهنّا