الخميس الثاني بعد الدنح «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (متّى 9: 9 - 13)

 

 

 

9 فِيمَا يَسُوعُ مُجتَازٌ مِن هُنَاك، رَأى رَجُلاً جَالِسًا في دَارِ الجِبَايَة، اسمُهُ مَتَّى، فَقَالَ لَه: "اتبَعْنِي". فَقامَ وتَبِعَهُ.

 

10 وفِيمَا يَسُوعُ مُتَّكِئٌ في البَيت، إذا عَشَّارُونَ وخَطَأةٌ كَثِيرُونَ قَد جَاؤُوا واتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ وتَلاميذِهِ.

 

11 ورَآهُ الفَرِّيسيُّونَ فَأخَذُوا يَقولُونَ لِتَلامِيذِهِ: "مَا بَالُ مُعَلّمِكُم يَأْكُلُ مَعَ العَشَّارِينَ والخَطَأة؟".

 

12 وسَمِعَ يَسُوعُ فَقَالَ:"لا يَحتَاجُ الأصِحَّاءُ إلى طَبِيب، بَلِ الَّذينَ بِهِمْ سُوء.

 

13 اذْهَبُوا وتَعَلَّمُوا مَا مَعنَى: أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَة! فَإنِّي مَا جِئْتُ لأَدْعُوَ الأبرَارَ بَلِ الخَطَأة".

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

تتوزّع آيات نصّ هذا اليوم على عنوانَين، الأوّل "دعوة متّى" (9)، وله نصّ موازٍ في مرقس (2: 13 - 14)، وآخر في لوقا (5: 27 - 28)؛ والثاني "دعوة الخطأة إلى التوبة" (10: 13)، وله نصّ موازٍ في مرقس (2: 15 - 17)، وآخر في لوقا (5: 29 - 32).

 

متّى، هو أحد الإثني عشر، وكاتب الإنجيل الأوّل؛ اسمه متّى العشّار عند متّى (10: 3)، ولاوي بن حلفى عند مرقس (2: 14)، ولاوي، من دون إضافة، عند لوقا (5: 27)؛ خَصَّه يسوع بدعوة مباشرة، بصيغة الأمر، وهو جالس في دار الجباية، فلبّى دعوة يسوع، وقام حالاً وتبعه.

 

 

الآيات (10 - 13): أقام لاوي (متّى) ليسوع "وليمةً عظيمةً في بيته" (لو 5: 29)، فجاء عشّارون وخطأة كثيرون، من أهل متّى، الذي كان عشّارًا، ومعارِفِهِ، ومن أبناء المجتمع وفعاليّاته، واتّكأوا في البيت مع يسوع وتلاميذه، وتشاركوا معًا في أكل الوليمة.

 

تَشَكَّكَ الفريسيّون من تصرّف يسوع، من مؤاكلته للعشّارين والخطأة، وعبّرُوا عن تَشَكُّكِهِم هذا بتوجيه السؤال التالي إلى تلاميذه: "ما بال معلّمكم يأكل مع العشّارين والخطأة؟"؛ لم يسجّل الإنجيليّون الثلاثة أيّ جواب، أو تبرير، من قِبَل التلاميذ على تَذَمُّر الفرّيسيّين وتساؤلهم، بل هو يسوع الذي تَدَخَّلَ، لا ليدعوَ الفرّيسيّين إلى تصحيح تفكيرهم في "هؤلاء الخطأة" الذين كان يجالسهم ويؤاكلهم، بل لتصويب تفكيرهم فيه، هو بالذات: فلنفترضْ أنّ هؤلاء هم كذلك فعلاً (أي خطأة)، فإلى عندهم ولأجلهم، هو قد جاء، لكي يخلّصهم، ويغفر لهم خطاياهم، كالطبيب الذي لا يأتي إلى عند الأصحّاء، بل يأتي إلى عند المرضى، إلى مَن بهم سوء، لكي يشفيهم من مرضهم، ويبعد السوء عنهم.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

نحن هنا أمام خبر دعوة يسوع لمتّى، لكي يتبعه؛ هذا المدعوّ الجديد ليس إنسانًا عاديًّـا، لكنّه من العشّارين، وجُباة الضرائب، أي إنّه خاطئ ومريض، جاءت رحمة الله تخلّصه؛ نكتشف في هذا الخبر، سلطة يسوع الذي يدعو الخطأة، لكي يبدّل حياتهم، كما يدعو المرضى، لكي يشفيهم؛ نرى يسوع هنا، يحارب الشرّ في العالم، لا في المرض وحسب، بل وفي الخطيئة أيضًا.

 

 

 

 الآية (9): تستوقفنا العبارات والكلمات التالية:

 

 

 

أ- مجتاز: يسوع في مسيرة دائمة: لا موضع له يسند إليه رأسه، ولا وقت له للراحة.

 

ب- دار الجباية: فيها تُجمَعُ الضرائب للسلطة الرّومانيّة؛ كان الجابي يجبي خاصّة من الفقراء، فيظلمهم؛ لذلك، احتُقِرَ الجابي، لأنّه سارق، ولأنّه بالأخصّ يتعامل مع العدوّ والمحتلّ.

 

ج- اسمه متّى: سمّاه مرقس (2: 14) لاوي بن حلفى؛ وسمّاه لوقا (5: 29) لاوي؛ هو أحد الإثني عشر؛ هل نستطيع أن نفرّق بين لاوي ومتّى؟ الأمر صعب؛ ربّما نحن أمام دعوتَين مختلفتَين، أو أمام دعوة واحدة موجّهة إلى المدعوّ  نفسه بِاسمَين؟!

 

 

د- اتبعني، فقام وتبعه: ليس سهلاً فهم أمر سرعة متّى في تلبية دعوة يسوع، وتركه عمله في الحال، واتّباعه يسوع! لا شكّ في أنّ متّى سبق له وسمع عظائمَ عن يسوع، ما جعل دعوة يسوع له اللّحظةَ الأخيرةَ في حياته في الجباية، وانتقاله إلى عملٍ آخر!

 

 

الآيات (10 - 12): يسوع يجالس الخطأة ويأكل معهم، ولا يتنجّس بهم؛ تَذَمَّرَ الفرّيسيّون من هذا التصرّف الذي فيه تجاوز لفريضةٍ رئيسةٍ لدى المعلّمين (لو 7: 39)، فتوجّهوا، لا إلى يسوع مباشرةً، بل إلى تلاميذه باستفهام مرفَق بمَلامة؛ ولكنّ الجواب جاءَهم من يسوع بالذات، فعبّر لهم فيه عن موقعه: ما جاء من أجل الذين يعتبرون نفوسهم أصحّاء، أقوياء وأبرارًا (كالفرّيسيّين)، بل جاء من أجل الخطأة، المرضى...؛ جاءَ إليهم، لا ليصير مثلهم، بل ليصيروا، هم، مثله!

 

 

الآية (13): ترجع هذه الآية النبويّة التي يوردها متّى هنا (وفي 12: 7) إلى هوشع (6: 6)؛ المقصود منها ليس إلغاء الذبائح الطقسيّة في المبدأ، مع الإشارة إلى أنّ هذه كانت ملغاةً بالفعل، حين دوَّنَ متّى إنجيله، إذْ لم يعد لليهود، بعد سنة 70، كهنةٌ ولا ذبائح، على أثر دمار الهيكل؛ بل ما قصده يسوع هو رفض نوع من التعلّق الأعمى بالطقوس التقليديّة، على حساب وصيّةٍ كبرى هي الرحمة تجاه الضعفاء والمرضى والخطأة.

 

 

                                                      الأب توما مهنّا