السبت من أسبوع الأبرار والصديقين «الإنجيل

 

 

 

 

إنجيل اليوم (متى 5/ 38- 48)

 

38 سمعتُم أنّه قيلْ: العَينُ بالعين، والسِّنُّ بالسِّنّ.

 

39 أمّا أنا فأقولُ لكم: لا تُقاوموا الشرّير، بل مَن لطمَكَ على خدّكَ الأيمن، فحوّل لهُ الآخر.

 

40 ومَن أرادَ أن يُحاكمَكَ ليأخذَ قميصَكَ، فاترُك لهُ رِداءَكَ.

 

41 ومَن سَخّرَكَ ميلًا واحدًا، فاذهبْ معهُ ميلين.

 

42 مَن يسألكَ فأعطِهِ، ومَن يريدُ أن يقترضَ مِنكَ فلا تُحوِّلْ وَجهَكَ عنهُ.

 

43 سمِعتُم أنّهُ قيلْ: أحبِبْ قريبَكَ وأبغِضْ عدوّك.

 

44 أمّا أنا فأقولُ لكم: أحِبّوا أعداءَكُم، وصلّوا مِن أجلِ مُضطّهديكم،

 

45 لِتَكونوا أبناءَ أبيكُمُ الذي في السّماوات، لأنّهُ يُشرقُ بشمسِهِ على الأشرار والأخيار، ويَسكُبُ غيثهُ على الأبرار والفُجّار.

 

46 فإنْ أحببتُم الذين يُحبّونَكم، فأيُّ أجرٍ لكُم؟ أليسَ العشّارون أنفُسُهُم يفعلون ذلك؟

 

47 وإن سَلّمتُم على إخوَتِكُم وَحدَهم، فأيُّ فضلٍ عملتُم؟ أليسَ الوثنيّون أنفُسُهُم يفعلون ذلك؟

 

48 فكونوا أنتُم كاملين، كما أنَّ أباكُمُ السّماويّ هو كامِل.

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

1- أعطِيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في الترجمة الليتورجيّة، العنوانان التاليان، الأوّل "في الصفح" (38- 42)، وله نصّ موازٍ جزئيًّا في لوقا (6/ 29- 30)؛ والثاني "في محبّة الأعداء" (43- 48)، وله نصّ موازٍ في لوقا (6/ 27- 28، 32- 36)؛ تجدر الإشارة إلى أنّ العنوان الأوّل هو "في الصّفح والتساهل"،  وهو "الانتقام"، في "قراءة رعائيّة" .تحت كلّ من هذين العنوانين مقارنة بين "القديم": "سمعتُم أنّه قيل"، وبين الجديد: "أمّا أنا فأقول لكم".

 

 

 يقول "القديم":

 

 "العين بالعَين، والسّن بالسّن": هذا يعني التقـيّد بقاعدة المساواة العدديّة في معاملات التبادل التي تُتناول في المال وما يُثمّن بمال.

 

"في محبّة الأعداء": "أحببْ قريبَكَ، وأبغِضْ عدوّك": هنا تطبيق لقاعدة "العين بالعين، والسنّ بالسنّ" على الناس وعلاقاتهم المتبادَلة، الشخصيّة والاجتماعيّة، التي تؤدّي إلى تصنيفهم إلى أقرباء أو أعداء، وحيث يكون التبادل بمحبّة بين الأقرباء، وببغض بين الأعداء؛ وقد يكون هذا التصنيف قائمًا على أساس دينيّ (أو غيره)، كاعتبار اليهود للوثنيّين أعداء.

 

 

 يقول "الجديد":

 

 لا تقاوم الشرّير، أيًّا كان شرّه، بالشرّ، بل قاومْه بصفحِكَ عنه، أي بعدم انقيادِكَ إلى التّشبّه بسوء تصرّفه، وبعدم رفضِكَ له، حتّى في مواجهته لك باللّطم والإهانة (37)، وبعدم تلبيتِكَ لطلبه الممكن، الذي يوجّهه إليك من طريق السؤال، وحتّى من طريق المحاكمة (40) أو التّسخير (41)؛ في كلّ ذلك، بُطولة مسيحيّة حقيقـيّة، قد تُبرز شرّ الشرّير، وتحمله على رؤية شرّه فيه، ومعرفته لذاته أو لتصرّفه الشرّير؛ وهذا أوّل الطريق إلى الارتداد عن الشرّ والتوبة؛ فكلام يسوع إذن، في الآية (39) هو أبعد ما يكون عن أيّ موقف استسلام وخنوع أمام الشرّير؛ ولقد أعطى، هو بنفسِه، المثل عندما صفعه واحدٌ من الحرس أمام عظيم الأحبار (يو 18/ 22)، فطالبَهُ يسوعُ حالا ً بحقّ، دون أن يردّ له الشرّ بالشرّ! (روم 12/ 17- 21).

 

 

 

 جاء في "كتاب القراءات" حول هذا النصّ بكامله، ما حرفيّته: على المؤمن ألّا يردّ الشرّ بالشرّ، ويتحمّل الإهانة بالانتصار على ذاته أوّلا ً؛ وبإظهار الحقّ والمطالبة به ثانيًا، كما فعل يسوع نفسه، إذ لطمه الخادم على خدّه؛ وبمحبّة المعتدي ثالثـًا. بذلك يكون تلميذ يسوع كاملا ً على مثال أبيه السّماويّ، ومشاركـًا له في ملكوته السّماويّ، مع الأبرار والصدّيقين كافّة.

 

 

ثانيًا قراءة رعائيّة

 

 الآيتان (38- 39)

 

 لا يريد يسوع أن نردّ على الضّربة بضربة، وعلى الشرّ بالشرّ، بل أن ننتظرَ أقلّه حكم "المحكمة"؛ الدفاع عن النفس بالعنف لا يدلّ دومًا على القوّة، وعدم الدّفاع عن النفس لا يعني الخنوع؛ فيسوع دافع عن نفسه حين لُطِمَ (يو 18/ 22) في دار رئيس الكهنة.

 

 

 الآيات (40- 42)

 

 نحن هنا، أمام مبدأ يقول، من الناحية السلبيّة، بعدم مقاومة الشرّير الذي يسيء إلينا بالشرّ، لأنّ العنف لا يولّد إلّا العنف؛ ويقول هذا المبدأ، من الناحية الإيجابيّة، بمُقاومة الشرّير بالمحبّة والوداعة وبالعطاء المجّانيّ، لأنّ لهذه الربح والغلبة في النهاية.

 

 

 الآيات (43- 48)

 

 يذكر العهد القديم محبّة القريب، ولا يفرض محبّة الأعداء؛ بنظر الأسيانيّين، مَن ليسَ من جماعتهم، جماعة أبناء النّور، يجب أن يُبغَضَ ويُسلـَّمَ إلى عدالة الله؛ معهم، ساد البُغضُ بين جماعة وجماعة، وبين فردٍ وفرد حسب المبدإ القائل: الغريب، أي مَن ليس من البلدة والطائفة، هو عدوّ؛ أمّا تعليم يسوع فكان مُغايرًا: لا أعداء للمسيحيّ، بل كلّ واحد قريب (مثل السّامريّ الصّالح في لوقا 10/ 25- 37)، اقتداءً بالآب السّماويّ الذي لا يميّز بين الأخيار والأشرار، حين يشرق شمسه أو يرسل مطره؛ بهذا يتميّز المسيحيّ عمّا سِواه، وهكذا يسعى إلى الكمال على مثال الآب السّماويّ.

 

الأب توما مهنّا