سبت أسبوع بشارة زكريّا «الإنجيل

 

 

إنجيل اليوم (يو8/ 56-59)

 

56 إبراهيم أبوكم اشتهى أن يرى يومي، ورأى ففرح".

 

57 فقال له اليهود: "لا تزال دون الخمسين، ورأيت إبراهيم؟".

 

58 قال لهم يسوع: "الحقّ الحقّ أقول لكم: قبل أن كان إبراهيم، أنا كائن".

 

59 فأخذوا حجارةً ليرجموه. أمّا يسوع فتوارى وخرج من الهيكل.

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

الآية (56) 

 

بعد أن أجاب يسوع اليهود، في الآيتين (54-55)، على سؤالهم: "من تجعل نفسك" (53)، يجيبهم هنا، في هذه الآية، على سؤالهم الآخر: "ألعلّك أنت أعظم من أبينا إبراهيم الذي مات؟" (53)، فيقول لهم إنّ "إبراهيم اشتهى أن يرى يومي، ورأى ففرح"؛ عنى يسوع بجوابه هذا أنّ إبراهيم، الذي سمع بُشرى الخلاص ووعد الله له بابن في شيخوخته، والذي آمن إيمانًا صادقـًا بذلك، اشتهى بقوّة إيمانه أن يرى اليوم الذي يتحقّق فيه ذلك، وقد رآه فعلاً بإسحق ابنه، وفرح فرحًا كبيرًا؛ وها هي تلك البُشرى تتحقّق كاملة "في يومي" الآن، أنا الذي أرسله الله الآب إلى العالم لهذه الغاية.

 

 

 

الآية (57)

 

لكنّ اليهود لم يفهموا ما عناه يسوع، بل ما أرادوا لأن يفهموا، وإلاّ لكانوا استفهموا منه؛ لنقل أيضًا إنّهم لم يهتمّوا بما قال، واستخفّوا به؛ ولقد عبّروا عن موقفهم هذا، اللاّمبالي والرافض، باعتراض بسيط (وواضح يراه أغشم الناس!)، بقولهم له: "لا تزال دون الخمسين، ورأيت إبراهيم؟" فدلّوا بجوابهم هذا، على أنّهم على مستوى الإنسان العاديّ، وليسوا على مستوى الإيمان، ولا حتّى على مستوى الإنسان المثقّف والمفكّر والناضج، ليسوا من فئة الناس الذين يذهبون بنظرهم إلى ما وراء المحسوس والظاهر من شؤون هذه الدنيا الزمنيّة، وبخاصّة من شؤون الله والإيمان؛ وهذا أقلّ ما كان مطلوبًا منهم.

 

 

 

الآية (58)

 

لم ينحدر يسوع إلى مستواهم، إلى حيث سقط الإنسان بخطيئته، ولم يعر جوابهم اهتمامًا، بل تابع بشارته لهم، ناظرًا إلى الإنسان فيهم ذاك الذي خلقه الله على صورته ومثاله، وذاك الذي يريد الله أن يخلّص ويشركه في حياته الإلهيّة؛ لذلك أعلن لهم عن حقيقته: عن ألوهته وأزليّته، قال: "قبل أن كان إبراهيم، أنا كائن": إنّه الله.

 

 

الآية (59)

 

اعتبر اليهود إعلان يسوع هذا تجديفـًا، فأخذوا حجارة ليرجموه؛ لكنّه توارى، وخرج من الهيكل، وعنى بخروجه الحكم المسبق على نهاية الهيكل والعهد القديم، وبدء العهد الجديد به. 

 

 

 

"قراءة رعائيّة"

 

في الآية (56) نتوقّف عند الكلمتين

  • يرى: نحن هنا أمام رؤية الرّجاء، التي حمل شعلتها إبراهيم، فوصلت إلى أبنائه.
  • يومي: يوم يسوع هو يوم مجيئه، يوم تجسده، يوم الدينونة وإقامة المملكة المسيحانيّة؛ سيفرح إبراهيم حين يرى أنّ مخطّط الله قد تمّ في المسيح، وبه نالت جميع أمم الأرض البركة والخلاص (تك 18: 18).

 

الآية (58)

 

دلّ يسوع على وجود (الابن) منذ الأزل، تجاه إبراهيم الذي كان في الزمن؛ قال يسوع كنت في الماضي، وأنا اليوم، وفي كلّ يوم، ليدلّ بذلك على أزليّته ومساواته لله الآب.

 

 

الآية (59)

 

هنا انتهت خطبة يسوع التي بدأت في الآية 12 (أنا نور العالم)؛ فهمها اليهود، وعرفوا أنّ يسوع يعلن لاهوته؛ لهذا اعتبروه مجدّفـًا، وأرادوا أن يرجموه.

 

 

الأب توما مهنّا