«آمِنوا بِٱلله» «القوت اليومي

 

 

 

 

«آمِنوا بِٱلله»

 

إن كلمة "إيمان" هي واحدة غير أنّها تنطوي على معنى مزدوج. في الواقع، للإيمان ناحية تتعلّق بالعقائد وهي الموافقة على حقيقة معيّنة. وتعود تلك النّاحية بالفائدة على النّفس كما يقول الربّ: "مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة" (يو 5: 24)... 

ولكنّ الإيمان لديه ناحية أخرى وهو ذاك الإيمان الذي يمنحنا إيّاه الرّب يسوع المسيح مجانًا كهبة وعطيّة روحيّة. "فلأَحَدِهم يوهَبُ بالرُّوحِ كَلامُ حِكمَة، ولِلآخَرِ يوهَبُ وَفْقًا لِلرُّوحِ نَفْسِه كَلامُ مَعرِفَة، ولِسِواهُ الإِيمانُ في الرُّوحِ نَفْسِه، ولِلآخَرِ هِبَةُ الشِّفاءِ بِهذا الرُّوحِ الواحِد" (1كور 12: 8-9). وبالتّالي، هذا الإيمان الذي يوهَب لنا كنعمة من الرُّوح القدس هو ليس فقط إيمانًا عقائديًا بل لديه القدرة على صنع أمور تتخطّى القوى البشريّة. ومن كان يملك هذا الإيمان وقال "لِهذا الجَبَل: اِنتَقِلْ مِن هُنا إِلى هُناك، فيَنتَقِلا"، لأنّه عندما يقول ذلك بإيمان، "وهو لا يَشُكُّ في قَلبِه، بل يُؤمِنُ بِأَنَّ ما يَقولُه سيَحدُث" (مر 11: 23)، يحصل على ما يطلبه بالنّعمة.

 

ولقد قيل عن هذا الإيمان نفسه: "إِن كانَ لَكم مِنَ الإِيمانِ قَدْرُ حَبَّةِ خَردَل". فحبّة الخردل صغيرة جدًّا ولكنّها تحمل طاقة ناريّة في داخلها. "هيَ أَصغَرُ البُزورِ كُلِّها، فإِذا نَمَت كانَت أَكبَرَ البُقول، بل صارَت شَجَرَةً حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَأتي فتُعَشِّشُ في أَغصانِها" (مت 13: 32). وهكذا أيضًا حال الإيمان، فهو يعمل في النّفس أكبر الإنجازات بومضة عين. 

وعندما تكون النّفس مستنيرة بالإيمان، يمكنها أن تتخيّل الله وتتأمّله قدر المستطاع. وهي تعانق حدود الكون وقبل نهاية الأزمنة، تكون قد عاينت اليوم الأخير وتحقُّق الوعود. إذًا، فليكن لديك أنت أيضًا ذلك الإيمان الذي يعتمد على الله وينقلك إليه، عندها سوف تنال منه ذاك الإيمان الذي يعمل ما يتخطّى القوى البشريّة. 

 

 

القدّيس كيرِلُّس، بطريرك أورشليم وملفان الكنيسة 

(313 - 350)