الله محبة «القوت اليومي

إن الإيمان يشكّل انتماءً شخصيًّا  يشمل جميعَ قوانا إِلى وحي المحبّة المجّانية والشغوفة الذي أظهره الله لنا، والذي يكشف عن ذاته كاملا في يسوعَ المسيح.

إِن اللقاء مع الله المحبّة الذي يدعو ليس فقط القلب، بل العقل أَيضاً: إن الاعتراف بالله الحيّ هو سبيلٌ نحو الحبّ، إن استجابة إرادتِنا لإرادتِه توحّد العقلَ، والإرادةَ والعاطفةَ في عمل الحبّ الشمولي. غير أن هذا يبقى مسيرة، لا تعرف التوقف أبدًا: فالحبُّ غيرُ "منجز" أبداً وغيرُ كامل (المرجع نفسه، العدد 17).

من هنا يتوجّب على جميع المسيحيّين، وبالأخصّ الملتزمين بأعمال المحبّة، ضرورةُ الإيمان، واللقاء مع الله في المسيح، الذي يحرّك فيهم المحبَّة ويفتح حياتهم على الآخر، فلا تعودُ محبّتُهم للقريب مِن بعد، وصية مفروضة، إذا جاز التعبير، من الخارج، بل نتيجة نابعة من إيمانهم العامل في المحبّة (المرجع نفسه، العدد 31 أ).

المسيحيُّ هو شخصٌ اكتسبَه حبُّ المسيح، ومن ثمَّ، يحرّكه ذلك الحبّ - لأَنَّ مَحبَّةَ المسيحِ تَأخُذُ بِمَجامٍعِ قَلْبِنا (2 كو 5: 14)-، وهو منفتحٌ بطريقةٍ ملموسةٍ وعميقةٍ على حبّ القريب (المرجع نفسه، العدد 33).

ينبع هذا الموقفُ، قبل كلّ شيء، من الوعي بأنّا محبوبون ومغفور لنا، لدرجة أن السيّد الربَّ يخدمنا، هو الذي انحنى ليغسل أرجلَ الرسل وقدّمَ ذاته على الصليب كي يجذب البشريّة إلى محبّة الله.

إن الإيمانُ يُظهر لنا الله الذي أعطانا ابنه ويستنهض فينا هكذا اليقين الظافر بأنّه لحقيقيٌ التأكيد: إن الله محبّة!... إن الإيمان، الذي يفطن لحبِّ الله المتجلّي في قلب يسوعَ المطعونِ على الصليب، يدفعنا بدوره نحو الحبّ.

إنه النور وبالحقيقة النورُ الوحيد الذي ينيرُ مجدَّدًا وبلا انقطاعٍ عالمًا يغمره الظلام، ويهبنا شجاعة أن نحيا ونعمل (المرجع نفسه، العدد 39). هذا كلّه يجعلنا نفهم أن الموقفَ الأساسيَّ الذي يميّز المسيحيّين هو بالتأكيد المحبُّ المرتكز على الإيمان والمصوغُ منه (المرجع نفسه، العدد 7).

البابا بنديكتس السادس عشر

من رسالة الصوم 2013