"تقلب البَيت رأسًا على عقب حتّى تَجِدَه" «القوت اليومي

 

 

«أيّةُ امرَأَةٍ إذا كانَ عِندَها عَشرَةُ دَراهِم، فأَضاعَت دِرهَمًا واحِدًا، لا تُوقِدُ سِراجًا؟»

 

إنّ وجه الله الّذي كان قد أظهره لنا الراعي، تمثّله الآن هذه المرأة؛ هو الله نفسه، حكمة الله. فقد خلق الملائكة والإنسان كي يعرفوه، خلقهم على مثاله. كان لديه عشرة دراهم لأنّ هناك تسع جوقات ملائكة وأراد أن يجعل عدد المختارين كاملاً، فكان الإنسان المخلوق العاشر. أو إنّ تلك الدراهم التسعة، على غرار التسعة والتسعين خروفًا، تمثّل الذين يُفضّلون أنفسهم على الخطأة التائبين، بدافع من الغرور. فتنقص وحدة للعدد تسعة ليصبح عشرة وللعدد تسعة وتسعين ليصبح مئة؛ إنّه يشبّه جميع الذين يتصالحون من خلال التوبة بهذه الوحدة.

وكما أنّ الدرهم يحمل وسم الوجه الملكيّ، فقد أضاعت تلك المرأة درهمها عندما أضاع الإنسان، المخلوق على صورة الله، شبههُ مع خالقه لحظة وقوعه في الخطيئة. قال المُخلّص: "إذا أضاعَت دِرهَمًا واحِدًا، ألا تُوقِدُ سِراجًا؟"... إنّ هذه المرأة التي توقدُ سراجًا"، إنّما تُمثّل حكمة الله التي تجسّدت بشكلٍ بشريّ؛ فالسراج نور في إناء من خزف، وذلك النّور الموجود في إناء من خزف إنّما هو الألوهيّة في جسد فانٍ. بعد أن أوقدت سراجها، "تقلب البَيت رأسًا على عقب حتّى تَجِدَه"؛ أي حالما شعّت في عيوننا الألوهيّة الموجودة في الإنسانيّة التي اكتست بها، انقلب ضميرنا رأسًا على عقب.

إنّ عبارة "تقلب بيتها رأسًا على عقب" لا تختلف عن عبارة أخرى نجدها في بعض المخطوطات: "تكنس بيتها"؛ فلا يُمكن لروح الخاطئ أن تتطهّر من عاداتها الفاسدة إلاّ بعدما تكون قد انقلبت بالعمق بمخافة الله. حين ينقلب البيت رأسًا على عقب، يُعثرُ على الدِّرهم. "وتَجِدُّ في البَحثِ عنه حتّى تَجِدَه"، وحده هذا الانقلاب الخلاصيّ في الضمير يرمّم صورة الخالق في الإنسان.

 

القدّيس غريغوريوس النزيانزيّ (330 - 390)،

أسقف وملفان الكنيسة