جاء الخبز الحيّ إلى العالم «القوت اليومي

ولدَت مريم العذراء يسوع المسيح، وأدفأتهُ بين ذراعيها، وقمّطتهُ بلفائف، وأحاطتهُ بالعناية الوالديّة. هذا هو يسوع الذي نقتبل جسده، والذي نشرب دمه الخلاصيّ من سرّ المذبح. هذا ما يُؤكّدهُ الإيمان الكاثوليكيّ وهذا ما تُعلّمهُ الكنيسة بأمانة.

ما من لسانٍ بشريٍّ يستطيع أن يُمجِّد مَن اتّخذ منها جسداً، ونحنُ نعرف ذلك، إنّه الوسيط بين الله والبشر. وما من مديحٍ بشريٍّ بمستوى مَن أعطت أحشاؤها الطاهرة الثمرة، غذاءَ نفوسنا. يشهدُ يسوع عن نفسه بهذه الكلمات: "أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السّماء، مَن يأكل من هذا الخبز يحيَ إلى الأبد". وفي الحقيقة نحنُ طُردنا من جنّة عدنٍ بسبب طعام، وبطعامٍ نستعيدُ أفراح الجنّة. إتّخذت حوّاء طعاماً، فحُكِمَ علينا نحنُ بصومٍ أبديّ. ومريم أعطَت طعاماً، فالدّخول إلى وليمة السّماء مفتوحٌ أمامنا. أرجوكم، يا إخوتي، خذوا بعين الإعتبار مُخطّط خلاصنا، وبآذان قلبكم اسمعوا حنانَ الله، الذي انحنى علينا...

العذراء وحدها حَمَلَت المسيح في أحشائها، ولكنّ النّصيب الشّامل لكلّ المُختارين هو أن يحمله كلٌّ منهم بحبٍّ في قلبه. إنّها سعيدة، سعيدة جدّاً المرأة التي حَمَلَت يسوع في أحشائها تسعة أشهر. ونحنُ أيضاً سُعداء عندما نسهرُ على حملهِ دون انقطاع في قلبنا. إنّ الحبل بالمسيح في أحشاء مريم، هو بلا شكّ أعجوبةٌ عظيمة. ولكن لا تَقِلُّ عنها أعجوبة حلوله ضيفاً في قلوبنا.  هذا ما تعنيه  شهادة يوحنّا: "ها انذا واقفٌ على الباب أقرع. فإن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي". وهنا، يا إخوتي، لنعتبر مِقدار عظمتنا وتشبّهنا بالعذراء: حَبِلَت العذراء بالمسيح في أحشائها البشريّة، ونحنُ نحملهُ في قلوبنا. غذّت مريم المسيح بحليب ثدييها، ونحنُ نستطيع أن نُقدّم له وليمةً متنوّعة، من أعمالنا الصّالحة، يجدُ فيها مَسَرّتهُ.

 

القدّيس بطرس داميان