سنجد كل شيء في الحياة الآخرة «القوت اليومي

سنجد كل شيء في الحياة الآخرة

 

قال الرب يسوع إلى من سيصبحون تلاميذه خلال الصيد "أَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد". لكنّهم قبل هذا الأمر لم يكونو قد اصطادوا شيئًا: "يا مُعَلِّم، تَعِبنا طَوالَ ٱللَّيلِ وَلَم نُصِب شَيئًا. وَلَكِنّي أُرسِلُ ٱلشِّباكَ بِناءً عَلى قَولِكَ".

 

ولما صادوا سمكًا كثيرًا جدًا حتى تخرّقت شباكهم، أشاروا إلى شركائهم الذين في القارب الآخر أن يأتوا ويساعدوهم فملأوا القاربين سمكًا لكنهم تركوا كل شيء وأصبحوا صيادين للناس.

 

ما عادت هذه الأمور مهمّة في نظرهم: فبالرّغم من كونها أمور مهمّة للحياة العادية ولكنها تضمحّل أمام هذه التطورات وأمام دفق الحياة الإلهية المفاجئ في الحياة البشرية. ماذا نفعل إذًا بالصيد؟

 

فقد آن وقت الرحيل والصيد فقد أهميته. كذلك هو حال المْرَأَةٌ السَامِرِيَّةٌ فالماء التي أتت لتستقيه أمسى بغير أهمية. وهذا أيضًا حالُنا ساعة مماتِنا فكل ما أحببناه من أمور جيّدة وجميلة وما تعلّق به قلبنا البشري وهو لا يسعه إلا أن يتمسّك بما يراه من جمال وما يستعشره من طيبة حوله، أمست جميعها أمورًا غير مُحتسبة مقارنةً مع المجيء الأكبر واللقاء الأعظم. ولا شكّ أننا سنعثر عليها مجدداً في العالم الآخر، فما من شيء جميل وحقيقي وحقّ سيضيع كما يقول القديس توما:

 

"كل ما أحببناه في دنيا الزوال حبًا حقًا سنجده في الحياة الآخرة ولكنه سيكتسب عظمة لا تُضاهى".

 

وعلى ذلك حتى وإن عثرنا على هذا الحب في حلتّه الفريدة لا بل المُبهرة والتي لا مثيل لها في دنيا الزوال، فهو كضوء الشموع أمام نور الشمس يضمحل أمام الرؤية الإلهية. ولكن سوف يبقى كلّ شيء، لا بل سينجو ويتحوّل، وسيكون تحت شمس الحياة الإلهية، كضوء الشموع والأنوار الصغيرة المتناهية في ظلّ نور الرؤية الإلهية.

الكاردينال شارل جورنيه (1891 - 1975)​