«طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح» «القوت اليومي

 

 

«طوبى لِفُقَراءِ ٱلرّوح» (مت 5: 3)

 

 

يجب علينا ألاّ نرفض الخيرات التي يمكن من خلالها مساعدة قريبنا. لقد أرادها الله لراحة البشر. لقد وُضعت الخيرات بين أيدينا كأدوات، وآلات يمكننا أن نستفيد منها إذا أحسنّا استعمالها... وُجِدت الثروات لتكون خادمة للبشر، لا سيّدتهم... لذا، يجب علينا ألاّ ننبذها لأنّها بحدّ ذاتها ليست سيّئة ولا جيّدة، إنّما بريئة من التهم المنسوبة إليها. إنّ طريقة استعمالها تعود إلينا وحدنا، أكان ذلك الاستعمال حسنًا أو سيّئًا.

 

إنّ روحنا وضميرنا حرّان في التصرّف بالخيرات التي توضع في تصرّفهما. فلنتخلّص إذًا، لا من ثرواتنا، إنمّا من الجشع الذي يشوّه التصرّف بها. عندما نصبح مستقيمين، حينها نستطيع التصرّف بالخيرات بطريقة مستقيمة. إنّ هذه الخيرات التي يُطلب منّا أن نتخلّى عنها، فلنفهم جيّدًا بأنّها الشهوات المنحرفة للنفس. نحن لا نربح شيئًا إن تخلّينا عن مالنا وبقينا أغنياء من تلك الشهوات المنحرفة.

لقد وضع الربّ هذا التصوّر للتصرّف بالخيرات الدنيويّة: علينا أن نتخلّص، لا من المال الذي يجعلنا نعيش، إنّما من القوى التي تجعلنا نستعمله بطريقة سيّئة ومنحرفة، أقصد بذلك أمراض النفس... علينا إذًا أن نطهّر نفسنا، أي أن نجعلها فقيرة عارية ونسمع نداء الربّ: "تعال اتبعني".

 

إنّه الطريق الذي يمشي عليه مَن لديه القلب النقيّ... إنّ مَن لديه قلبًا نقيًّا يعتبر ثروته، وذهبه، وماله، وبيوته نِعَمًا من الله، ويشهد على ذلك بإغاثته للفقراء من ماله الخاص. إنّه يعرف أنّ امتلاكه لهذه الخيرات هو لإخوته أكثر ممّا هو له؛ إنّه يبقى أقوى من تلك الشهوات، ويظلّ أبعد من أن يكون لها عبدًا... وإذا أتى يومٌ تزول فيه تلك الثروة، فإنّه يقبل خسارته بفرح كما في أجمل أيّامه. إنّ إنسانًا كهذا يطوّبه الربّ، ويدعوه "فقير الرُّوح"، ويكون وريثًا أكيدًا لملكوت السماء الذي سيكون مغلقًا على الذين لم يستطيعوا أن يتخطّوا جشعهم.

 

القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ (150-  215)