«فَهَكَذا يَصيرُ ٱلآخِرونَ أَوَّلين، وَٱلأَوَّلونَ آخِرين» «القوت اليومي

 

 

 

«فَهَكَذا يَصيرُ ٱلآخِرونَ أَوَّلين، وَٱلأَوَّلونَ آخِرين»

 

 

ما الّذي فعله اللّص (أَحَدُ المُجْرِمَيْنِ المُعَلَّقَينِ عَلَى الصَّلِيبِ عن يمين الرّب) ليتمكّن من المشاركة في الفردوس بعد الصليب؟... ففي حين كان القدّيس بطرس ينكر الرّب يسوع المسيح، كان ذلك المجرم يشهد له من أعلى الصليب. أنا لا أقول ذلك لأدين بطرس؛ بل أقول ذلك لأبرز عظمة نفس ذلك المجرم... ففي حين كان عدد كبير من الرعاع يقف حوله، موجّهين الصراخ والتوبيخ والإهانات والتهكّمات، لم يُعِرهم هذا المجرم أيّ اهتمام. هو لم يأخذ حتّى بالاعتبار حالة الصلب البائسة الّتي كانت ظاهرة أمامه. ألقى نظرة مليئة بالإيمان على هذا كله... ثمّ التفتَ إلى سيّد السماوات واستسلم له قائلاً: "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ" (لو 23: 42). دعونا لا نتجنّب بوقاحة المثال الّذي أعطاه المجرم، ولا نخجل من اعتباره مُعلِّمًا، هو الّذي لم يخجل الربّ من جعله أوّل مَن يدخل إلى الفردوس...

 


فالرّب لم يقلْ له، كما لبطرس وأندراوس: "اتْبَعَانِي فَأَجْعَلَكُمَا صَيَّادَيْنِ لِلنَّاس" (مت 4: 19). ولم يقلْ له أيضًا كما قال للاثني عشر: "أَنْتُمُ ٱلَّذينَ تَبِعْتُمُونِي، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ الإِنْسَانِ على عَرْشِ مَجْدِهِ، في زَمَنِ التَّجْدِيد، تَجْلِسُونَ أَنْتُم أَيْضًا على ٱثْنَي عَشَرَ عَرْشًا، لِتَدِيْنُوا أَسْبَاطَ إِسْرَائِيْلَ الٱثْنَي عَشَر" (مت 19: 28). كما لم يمنحه الرّب أيّ لقب؛ ولم يُظهر له أيّ معجزة. وفي الوقت عينه لم يرَه المجرم يقيم ميتًا أو يطرد الشياطين؛ كما لم يرَ البحر يطيعه. لم يقلْ له الرّب يسوع المسيح شيئًا عن الملكوت، ولا عن جهنّم. وبالرغم من ذلك، فقد شهد له أمام الجميع، ونال ميراث الملكوت. 

 

 

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 - 407)