«ماذا خرَجْتم ترونَ في البريّة؟» (لو 7: 24) «القوت اليومي

 

 

 

 

"صوتٌ صارخٌ: في البريّة، أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سُبُل إلهنا في الصّحراء قويمة" (إش40: 3). يشير هذا الكلام بوضوح إلى أنّ الأحداث التي تمّ التنبّؤ بها لن تجري في أورشليم، بل في الصحراء. في الصحراء، سيتجلّى مجد الربّ؛ هناك، "يُعاينُه كلّ بشر" (إش40: 5). هذا ما حصل فعليًّا، عندما أعلن يوحنّا المعمدان في صحراء الأردن أنّ خلاص الله سيظهر. لأنّ خلاص الله ظهر هناك. في الواقع، أظهرَ الرّب يسوع المسيح نفسه بمجده للجميع حين اعتمد في نهر الأردن...

تكلّم النبيّ بهذا الكلام لأنّه كان على الله أن يسكن في الصحراء، تلك الصحراء التي لا يمكن أن يصل إليها الناس. كانت كلّ الأمم الوثنيّة بمثابة صحراء في مجال معرفة الله، وكان يستحيل على الأبرار وعلى أنبياء الله أن يصلوا إليها. لذا، دعا ذاك الصوت إلى إعداد طريق كلمة الله، وإلى توحيد الطريق الوعرة التي لا يمكن الوصول إليها، كي يتمكّن الله الآتي للسكن عندنا، من السير عليها...

"اِصعَدي إلى جبلٍ عالٍ يا مُبشّرة صهيون. اِرفَعي صوتَكِ بقوّة يا مُبشِّرة أورشليم" (إش40: 9)... مَن هي صهيون هذه؟ أهي تلك المدينة التي أسماها الأقدمون أورشليم؟... ألم تكن طريقة للإشارة إلى مجموعة الرّسُل المُختارين من الشعب القديم؟ ألم تكن تلك المدينة التي تلقَّتْ خلاص الله كميراث...، تلك المدينة الواقعة على جبل، أي المدينة المُشيَّدة على الكلمة، ابن الله الوحيد؟ إنّها المدينة التي أمرَها بأن تعلنَ البشرى السّارة بالخلاص للبشر أجمعين.

 

 

أوسابيوس القيصريّ (نحو 265 - 340)،

 

أسقف ولاهوتي ومؤرِّخ