مريم العذراء «القوت اليومي

العذراء شاحبة، وإلى الطفل تنظر..

وما يتعيّن رسمُه على وجهها

عجبٌ ولهفةٌ يتمازجان للمرّة الأولى في وجه إنسان..

ذلك لأن المسيح ابنها، فلذة كبدها، وثمرة أحشاءها..

تسعة أشهر حملته، ومن ثدييها أرضعته، ليصير لبَنُها دم الله!..

تَعرُوها أحياناً تجربةٌ شديدة، حتى لتنسى أنه الله!

فتشدُّه بين ذراعيها، وتقول: يا صغيري..

وفي هنيهاتٍ تكبت عاطفتها وتفكّر: الله هو هنا!..

فكلّ الأمهات يتوقّفن في لحظات

إزاء هذه القطعة المتمرّدة من لحمهنّ، عنيت أبناءهن،

ويشعرن أنهنّ منفياتٍ أمام هذه الحياة الجديدة التي صنعنها من حياتهنّ،

وتسكنها أفكارٌ عنهنّ أفكار غريبة.

ولكن ما من طفل أُبعِدَ قسراً عن أمّه، على نحو ظلوم وخاطف،

أكثر من هذا الطفل، لأنّه إله!

ويتجاوز من كلّ الجهات إمكانيّات تصوّرها..

غير أني أظنّ أنها، في لحظات أخرى ينساب إليها سريعاً وفي آن،

إحساسان: المسيح ابنها، صغيرها.. وأنّه الله!..

فتنظر إليه وتتأمّل: هذا الإله هو ابني،

هذا الجسد الإلهي هو جسدي، فيّ تكوّن، وله عيناي،

وشكل ثغره هذا إنما هو شكل ثغري..

فهو يشبهني!

هو الله وهو يشبهني!..

ما من امرأة في العالم أُعطي لها إلهها لها وحدها..

الله صغير صغير، يمكن أخذه بالذراعين، وغمره بالقبلات..

إله تدبُّ فيه الحرارة، ويبسم ويتنفّس..

إله ممكنٌ لمسه.. ويعيش..

 

جان بول سارتر