مريم سيدة البحر «القوت اليومي

مريم سيدة البحر

العالم هو بحر. مريم هي نجمته.

السلام عليكِ يا نجمة البحر. هذا نشيد الكنيسة للبتول مريم، هذا ما ترنّم به الشعوب، وهكذا يترنّم أولادها. ما معنى هذا الكلام؟ إنّ البحر هو العالم، وكما أنّ الله وضع نجمًا في الجلد لإرشاد الملّاحين هكذا أعطانا البتول مريم لتكون دليلًا لنا في أوقيانوس هذه الحياة.

العالم هو بحر؛ البحر هو سهل ماء يصلح للملّاحين ويُعطيهم طريقًا لنقل المسافرين والأمتعة من بلد إلى آخر. هكذا الحياة على الأرض هي سهل من الوقت قصير أو طويل يقودنا كأنّنا في طريق تؤدّي من الحياة الحاضرة إلى الحياة المستقبلة. نقول طريق الحياة. سفر الأرض. إنّ العالم هو بحر. ما هي حالة البحر؟ إنّ البحر هو ملازم الاضطراب والحركة غالبًا الرياح تتضادّد فيه وهذا ما يسبّب الزوابع ويجعل النوتي في حالة سيّئة جدًا.

إنّ عالمنا هو أيضًا بحر مملوء أهوالًا واضطرابًا والحياة فيه حرب مؤلمة لا تسكن رُحاها أبدًا. العالم هو بحر وما هي طعمة البحر؟ حتى في حالة الصفاء والنقاوة من ذاقها شعر بملاحتها وعلم بكراهتها وما تسببه من القيء ووجع القلب.

العالم هو بحر وأيّ شيء موجود في البحر؟ عثرات مخيفة وأعماق مهولة. هكذا العالم يحوي فخاخًا للفضيلة وحفرات عديدة ومرعبة. الويل لمن مال إلى الطمع وفقد الفطنة.

في البحر المدّ والجزر، هكذا في العالم أحيانًا الفرح وأحيانًا الدموع وعدم الثبات.

في البحر السمك المختلف الأنواع: الكبير يفترس الصغير، هكذا على الأرض الأشرار ضد الأخيار.

العالم خائن ومهول ولا بدّ من العبور فيه للوصول إلى السماء. والولد وهو ولد كراكب قارب بالقرب من الشاطئ. لا يشعر بالأخطار، ولكن متى كبر، يحبّ الذهاب إلى العمق.

مَن أراد أن يبعد أخطار البحر ما له إلّا البقاء على اليبس، أمّا أخطار الحياة فلا بدّ من الاجتياز فيها، عندما نضع رجلنا في مركب الحياة. فإن جاهدنا، لنا السماء وإن تهاونّا سقطنا في الجحيم.

مريم هي النجم

الله وضع نجمة لقيادة المسافرين بحرًا وقد وضع للبشر أيضًا في جلد كنيسته نجمًا دليلًا للظفر... به ننجو من الصعوبات والأخطار وهذا النجم هو مريم.

إنّ نجمة البحر اختارها الملّاحون لعلوّ منزلها ولموضعها الدالّ على القطب وجهته. هكذا مريم هي عالية المقام في السماء لا يعلوها سوى الله. عُرفُها يفوق عرف  الملائكة والقديسين المرتفعين في القداسة. الذين على الأرض يشاهدونها بعيدة عنهم بالمجد والهابطون في وادي الإثم يشاهدونها تلوح فوق رؤوسهم لتُريهم الرحمة وتحضّهم على الندامة والرجوع إلى الله.

قيل عن بعض قديسين بأنّ من نظر إليهم كان يفكّر بالله من كثرة تقواهم، فكم بالحرى يجب القول عن مريم.

ـ أنظروا إلى مريم قبل مباشرة أعمالكم، تلهمكم بما هو حسن.

ـ أنظروا إليها في أفراحكم لتقدّسوها نظيرها.

ـ أنظروا إليها في أشغالكم لتقتدوا باجتهادها.

ـ أنظروا إليها في مصائبكم لتحملوها نظيرها.

 

                                                    من كتابات الأب  يعقوب الكبوشي