«وَلكِنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ اللهِ أَكبَرُ مِنه» «القوت اليومي

 

 

"أَقولُ لَكم: لَيسَ في أَولادِ النَّساءِ أَكبَرُ مِن يوحنَّا". فَلَو اجتمع القدّيسون جميعًا، هؤلاء الصالحون، والأقوياء والحكماء وسكنوا في إنسان ٍواحد، لما استطاعوا أن يضاهوا يوحنّا المعمدان... الذي قيل فيه إنّه يفوق البشر بأشواطٍ، وإنّه ينتمي إلى فئة الملائكة... "ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه"...

 

فمِن خلال ما قاله الربّ عن عظمة يوحنّا المعمدان، أراد أن يُعلن لنا عن وفرة رحمة الله وكرمه مع مختاريه. ويوحنّا المعمدان مع كِبَر عظمته واتّساع شُهرته، فإنّ ذلك أقلّ بكثير ممّا سيكون عليه حال الأصغر في ملكوت السماوات، على ما قاله بولس الرسول، "لأَنَّ مَعرِفَتَنا ناقِصة ونُبُوَّاتِنا ناقِصة... فمَتى جاءَ الكامِل زالَ النّاقِص" (1كور13: 9-10).

 

 

إنّ يوحنا كبيرٌ، فهو الّذي قال في استشعارٍ مسبق: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ" (يو 1: 29). ولكن هذه العظمة، مقارنةً مع المجد الذي سيُكشف عنه لأولئك الذين سيصبحون مستحقّين ليست سوى لمحة مسبقة بسيطة. بمعنى آخر، إنّ كلّ الأشياء العظيمة والرائعة هنا في الدنيا تبدو صغيرة وغير ذات قيمة مقارنةً مع الغبطة في العالم الآتي... وقد وُجِدَ يوحنّا جديرًا بالهبات الكبرى في هذا العالم: النبوءة والكهنوت (راجع لو 1: 5-17)، والعدل...

 

 

إنّ يوحنّا أكبر من موسى والأنبياء، غير أنّ الشريعة القديمة تحتاج إلى العهد الجديد بما أنّ ذلك الذي هو أعظم من الأنبياء قال للربّ: "أَنا أَحتاجُ إِلى الاِعتِمَادِ عن يَدِكَ، أَوَأَنتَ تَأتي إِليَّ؟" (متى3: 14). ويوحنّا عظيمٌ أيضًا لأنّ الحبل به أعلنه ملاك، ولأنّ ولادته كانت محاطة بالمُعجزات، ولأنّه بشّر بمُعطي الحياة، ولأنّه عمّد لمغفرة الخطايا...

 

 

لقد قاد موسى الشعب إلى نهر الأردن والشريعة قادت البشريّة إلى معموديّة يوحنّا. ولكن "إن لم يكن في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان"، السابق للربّ، فكم هم أعظم أولئك الذين غسل الربّ أقدامهم ونفح فيهم من روحه؟ (راجع يو 13: 4-17 و20: 22).

 

 

القدّيس أفرام السريانيّ (نحو 306 - 373)​