14 أيلول عيد إرتفاع الصليب المكرّم «على درب القداسة

 

 

 

14 أيلول عيد إرتفاع الصليب المكرّم

تحتفل الكنيسة المقدّسة في الرّابع عشر من شهر أيلول من كلّ عام بعيد إرتفاع الصّليب المقدّس، ويرتبط هذا العيد بحادثة صلب وموت السيّد المسيح على جبل الجلجلة.

 

وبعد هذه الحادثة إختفت أثار الصّليب الذي صلب عليه السيّد المسيح، لأنّ الرّومان رموه في الحفرة الكبيرة التي كانت قريبة من جبل الجلجلة، وأقاموا مكانه معبدًا للإله الرّوماني فينوس ليمنعوا المسيحيّين الأوائل من زيارة المكان وتكريم الصّليب المقدّس.


واستمرّ الوضع هكذا إلى سنة 326 ميلادي، عندما حضرت القدّيسة هيلانة الأمبراطورة والدة الأمبراطور قسطنطين الكبير إلى أورشليم للبحث عن خشبة الصّليب المقدّس.

 

 عندما سألت عن الأمر أخبروها بأنّ الصّليب مدفون بقرب المعبد فينوس الذي أقامه الأمبراطور أدريانوس، فأمرت بحفر المكان فعثرت على ثلاثة صلبان ولمّا لم تعرف أيّها صليب السيّد المسيح الحقيقي، إقترح البطريرك مكاريوس أن يوضع واحد تلو الآخر على جثّة أحد الموتى الذين كانت جنازتهم بالمكان في ذلك الوقت، فعندما وضع الصّليب الثالث، عادت للميت الحياة بأعجوبة باهرة، وبعد ذلك وضعوا الصّليب على امرأة مريضة فشفيت في الحال، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصّليب ليراها جميع الحاضرين فرتّلوا "يا ربّ إرحم" ودموع الفرح تنهمر من عيونهم، فرفعت القدّيسة هيلانة الصّليب المقدّس على جبل الجلجلة وبَنَتْ فوقه الكنيسة المعروفة إلى يومنا هذا كنيسة القيامة.

 

في سنة 614 ميلادي دخل كِسرى ملك الفُرس أورشليم ظافرًا وأسرَ ألوف المسيحيِّين وفي مقدِّمتهم البطريرك زكريّا، ونقلهم إلى بلاده، وأخذ ذخيرة عود الصّليب الكريم غنيمة ً، وبقيت في حوزته أربع عشرة سنة.

 

ولمّا انتصر هرقل الملك على الفُرس، كانت أهمّ شروطه إطلاق المسيحيّين الأسرى وإرجاع ذخيرة عود الصّليب. وكان كِسرى قد مات وملكَ مكانه ابنه سيراوس فقبل هذا بالشروط وأطلق الأسرى سالمين مع البطريرك زكريّا بعد أن قضوا في الأسر 14سنة، وسلّم ذخيرة عود الصّليب إلى هرقل الملك وكان ذلك سنة 628. فأتى بها هرقل إلى القسطنطينيّة التي خرجت بكلّ من فيها إلى استقباله بالمصابيح وتراتيل النّصر والإبتهاج.

 

وبعد مرور سنة جاء الأمبراطور هرقل بالذخيرة إلى أورشليم ليُركّز عود الصّليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لمُلاقاته الشّعب وعلى رأسهم البطريرك زكريّا. فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والبهجة بالمشاعل والترانيم البيعيّة، وساروا حتّى طريق الجلجلة. وهناك توقّف الملك بغتة ً بقوّة خفيّة وما أمكنه أن يخطو خطوة واحدة.

 

فتقدّم البطريرك وقال للملك: "إنّ السيّد المسيح مشى هذه الطريق حاملاً صليبه، مكلّلاً بالشّوك، لابسًا ثوب السّخرية والهوان، وأنت لابس أثوابك الأرجوانية وعلى رأسك التاج المُرصّع بالجواهر، فعليك أن تُشابه المسيح بتواضعه وفقره". فأصغى الملك إلى كلام البطريرك، وارتدى ثوبًا حقيرًا ومشى مكشوف الرأس، حافي القدمين، فوصل إلى الجلجلة، حيث ركّز الصّليب في الموضع الذي كان فيه قبلاً.

 

 أُقيم تذكار ظهور الصّليب للملك قسطنطين الكبير في الحرب ضدّ عدوّه مكسنسيوس. وذلك أنَّهُ لما قرُب من رومة استعان بالمسيحيّين واستغاث بإلههم يسوع المسيح وإله والدته هيلانه لينصره على أعدائه. وبينما هو في المعركة ظهر له الصّليب في الجوّ الصّافي، مُحاطًّا بهذه الكتابة بأحرف بارزة من النور: "بهذه العلامة تظفر" فاتّكل على إله الصّليب، فانتصر على مكسنسيوس، وآمن بالمسيح هو وجنوده.

 

وجعل راية الصّليب تخفق في راياته وبنوده. وبعث الكنيسة من ظلمة الدّياميس، وأمر بهدم معابد الأصنام وشيّد مكانها الكنائس، ومنذ ذلك الحين، أي منذ عام 330، عمَّ الإحتفالُ بعيد الصّليب الشرقَ والغربَ. وقد امتاز لبنان بهذا الإحتفال منذ القديم، فإنّه، ليلة هذا العيد، يظهر شعلة من الأنوار في جروده وسواحله. فالشكر للرّبّ يسوع الذي قال: "وأنا إذا ارتفعت عن الأرض، جذبت إليَّ الجميع". آمين.