أن نصرخ ليلًا ونهارًا ... «متفرقات




أن نصرخ ليلًا ونهارًا ...



الحياة معركة


 الحياة عبارة عن معركة كمعركة موسى ضدّ العمالقة (خر 17: 8-13) أو معركة الأرملة التي تسعى للحصول على حقوقها من القاضي الظّالم، "الذي لا يخاف الله ولا يهاب النّاس"

(لو 18/4). مَن مِنّا لا يريد أن يُصارع من أجل الحصول على حقوقه والتغلّب على الشرّ؟


ما هي الأسلحة التي تمكّنُنا من خوض هذه المعركة وتحقيق النّصر؟ إن أجبنا: بأنّ سلاحنا هو الصّلاة، فعلى الأرجح أن العالم سيبتسم أو حتّى يسخر منّا مثل هذا القاضي الظّالم.


سلاحنا هو الصلاة. 


هل نعرف قوّة هذا السّلاح؟ لمساعدتنا على اكتشاف فعاليَّـته، نقرأ في سفر الخروج (خر 17: 8-13 ) أنّ الشّعب كان يَغلب عندما يرفع موسى ذراعيه للصلاة. لكن عندما كان يخفضهما –  لأنّهما أصبحتا ثقيلتين – كان العدوّ هو الذي يصبح الأقوى. ولما اكتشف رفاق موسى، هارون وحور هذا السرّ، سَنَدوهُ، بحيث تبقى يداه مرفوعتين حتى غروب الشّمس، تمكّن الشّعب من الحصول على النّصر... لا بقوّة السّلاح، ولكن بقوّة الصلاة، قوّة الأيدي المفتوحة.


المثَل الآخر لمساعدتنا على فهم قوّة الصلاة وفعاليّـتها هو مثَل الأرملة التي جاءت تطالب أن تأخذ العدالة مجراها. لقد استطاعت بواسطة إلحاحها، التغلُب على تصلُّب القاضي الظّالم: "أنا لا أخاف الله ولا أهاب النّاس، ولكن هذه الأرملة تُزعجني، فسأُنصفها لئلاّ تظلّ تأتي وتصدع رأسي" (لو 18/4).


الأيدي المفتوحة. 


ما معنى أن نُصلّي؟ أولًا: أن نُصلّي، يعني أن نعيش بأيدٍ مفتوحة...  يعني أن نعيش موقف التخلّي. أن نُصلّي ليس سوى أن نقول لله: حياتي ليست ملكي؛ إنّها بين يديكَ. أن نُصلّي يعني: أن نعيش موقف الإستسلام بين يدي الله؛ أن نفتح أيدينا لندعه هو يخوض المعركة بدلًا من أن نستخدم أسلحتنا الخاصّة.


لكن مَن يستطيع أن يعيش بذراعين ممدودتين ويدين مفتوحتين، في عالمٍ يضع كلّ ثقته في الأسلحة الأكثر تطوّرًا؟ لو لم يسنُد هارون وحور موسى لتبقى يداه مفتوحتين ولكي لا يُخفض ذراعيه، فإنّ الشّعب لم يكُن لينتصر أبدًا. هل نحن مستعدّون لأن يساند كلّ منّا الآخر، لكي تبقى أيدينا مفتوحة ولنُظهر للعالم أنّه لا يوجد سلاحٌ أقوى من الثقة بالله والصلاة؟


أن نصرخ ليلًا ونهارًا. 


الإنجيل يجعلنا نفهم، أن قوّة الصلاة هي في إلحاح الأبناء الذين "يصرخون إلى الله ليلًا ونهارًا". يقول جبران خليل جبران في كلامه على الصلاة، بأنّها "نافذة مفتوحة نحو الله من الفجر إلى الفجر"، ليل نهار.


هناك العديد من القُضاة غير العادلين، المسؤولين الذين بلا ضمير، المُرشدين العميان، القادة الفاسدين والمعلّمين المُضلّلين. كثيرون هم أولئكَ الذين لا يخافون الله ولا يهابون النّاس.


وأيضًا، هناك العديد من الفقراء المستُبعَدين، والعميان المُهمَلين، والبُسطاء المُحتقرين والأطفال الذين تمّ التخلّي عنهم. ما الذي يمكننا أن نفعله أمام هذا الواقع المؤلم؟ أن نخفض أيدينا؛ أن نتخلّى عن النّضال، أن نتّهم الله بأنّه لا يهتمّ بصلواتنا؛ أن تمتلئ قلوبنا بالمرارة ونتخلّى عن الإيمان؟


لا، علينا الإلحاح و"الصّراخ ليلًا ونهارًا". فإذا كان أسوأ الرّجال الظّالمين قد استسلم أمام إلحاح أرملة فقيرة أو صديقٍ لجوج – يستمرّ في القرع على الباب بإلحاح (را. لو 11: 5-8) – ألن يُعطي الله الآب لأبنائه كلّ ما يحتاجونه، وحتى "دون تأخير"؟ 


خاتمة:


"تدخُّل في الوقت المناسب وبغير الوقت المناسب".


"ولكن متى جاء ابن الإنسان، أفـَـتُراهُ يجد الإيمان على الأرض؟" (لو8/18) ذلك هو السّؤال الكبير... وتلك هي النّعمة التي علينا أن نطلبها.


لنختُم بالنصائح التي يُعطيها القدّيس بولس إلى تلميذه طيموتاوس (2 طيم 4: 1-2): "أعلِن كلمة الله وأَلِحَّ فيها بوقتها وبغير وقتها، ووبِّخ، وعِظ، وأنذِر، والزَم الصبر والتّعليم". "اسألوا تُعطوا... فإذا كنتم أنتم الأشرار (مثل القاضي الظّالم! لو1/18-8) تعرفون أن تعطوا العطايا الصّالحة لأبنائكم – إذاً صرخوا ليلًا ونهارًا! – فما أولى أباكم السماويّ بأن يهِبَ الرّوح القدُس للذين يسألونهُ؟" (را. لو 11: 9-13). لكن هل سيجد ابن الإنسان، متى جاء، هذا الإيمان وتلك الثقة لكي يناضل مع الأيدي المفتوحة التي تُصلّي له ليلًا ونهارًا؟


بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعي