أَنا بابُ الخِراف «متفرقات

 

 

 

 

 

 

أَنا بابُ الخِراف

 

 

 

 

ما هذا الباب الذي منه يدخل الراعي الصالح إلى حظيرة الخراف؟ لا يمكننا هنا إلاَّ أن نفكر بإنجيل متى الذي يُحدثنا عن الباب الضيق الذي يقود إلى الحياة: «أُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. فإِنَّ البابَ رَحْبٌ والطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون» (متى7/ 13 - 14).

 

يبقى السؤال نفسه: ما هذا الباب؟ برأي إنه حريتنا! فالله لا يقتحم حياتنا رغماً عنّا، يحترم حريتنا احتراماً مطلقاً. إن فتحنا له الباب، دخل حياتنا، دخل حظيرتنا، دخل في عمق كل ما يقيدنا ويمنعنا أن نكون في الحياة الحقيقية.

 

أي أنه يدخل، بحريتنا، كل أشكال عبوديتنا التي نعيشها، ليخرجنا منها، ليحررنا ويفتح لنا باب الحياة، باب الحرية الحقيقية. وإن قال عن ذاته على انه الباب، فهذا يعني أنه، على عكس ما نعيشه في الحياة اليومية، لا يقيدنا بشيء، إنه مجرد باب، ندخل ونخرج منه نحو المرعى الأخضر، نحو الحياة.

 

ما هو هذا الباب؟ إنه باب الفصح، باب الموت والقيامة. إنه عبور إلزامي، واجتياز لأبواب الموت. المسيح هو الباب لأنه أول من دخل حظيرتنا، عبوديتنا، وأول الخارجين منها (موته وقيامته)، لكي على مثاله نخرج أيضاً.

 

هذا الباب هو إلزامي، لأن كل الأبواب الأخرى هي وهمية. وهذا ما يحاول المجتمع الاستهلاكي أن يوهمنا به. هذا هو معنى الآية: «جميعُ مَنْ جاؤُوا قَبلي سارِقونَ وَلُصوصٌ». ويمكننا القول أيضاً «جميعُ مَنْ جاؤُوا بعدي أيضاً هم سارِقونَ وَلُصوصٌ».

 

بمجرد خروجنا من حظيرة الموت والعبودية، نحن مدعوون للدخول إليها مجدداً. ولكن لا لنجد عبودياتنا القديمة، إنما لنجعل من مسيرة المسيح مسيرتنا، هو الذي مع أنه في صورة لله لم يعد مساواته لله غنيمة، واتخذ صورة العبد ليخرجنا من عبودياتنا (فيل 2، 5 - 11).

 

هذه العودة وتلك المسيرة التي تعني المشاركة في تعاسة إخوتنا هي أكبر عمل حر ممكن. هذا العمل هو بكل بساطة الحب الفاعل: فالحب هو في الواقع قمة الحرية بما أنه يكمن في وضع الذات بتصرف الآخر فنصبح تابعين له كلية. هذا الحب الذي يعني أننا نصغر لكي يكبر الآخر، والآخر بامتياز فينا، أي المسيح.

 

نحن إذن أمام راعي مناقض متباين، يعطي حياته من أجل خرافه ويجعل من ذاته غذاءً لها. والمسار لا يتوقف أبداً: متغذية من جسد الراعي، وحاملة لحياته ومستحوذة على روحه، هذه الخراف لا يمكنها إلاَّ أن تكرر تصرفه وموقفه.

 

هذا التصرف تصفه لنا رسالة بطرس الأولى (2/ 23 -25) حيث يقول بطرس: «شُتِمَ ولَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا(..) وهو الَّذي بِجراحِه شُفيتم. فقَد كُنتُم كالغَنَمِ ضالِّين، أَمَّا الآن فقَد رَجَعتُم إِلى راعي نُفوسِكم وحارِسِها»

 

وعندما يكتب بطرس بأننا سنصبح «شركاء في الطبيعة الإلهية» (2بط 1، 4)، يؤكد هذه المشاركة والوحدة. بدون شك هذا الأمر هو دائماً، موضوع اختيار وبداية جديدة: علينا باستمرار أن نعبر من باب الحياة هذا الذي هو المسيح.

 

فصورة القطيع، كصورة الراعي، يجب تصحيحها لتعبّر عمّا يحدث في علاقتنا مع الله، مع الحياة، ومع المسيح. كلمة «قطيع» تجعلنا نفكر عفوياً بمجموعة مجهولة، مطيعة ومتشابهة تماماً، أي أفرادها متشابهين بشكل مطلق.

 

 لهذا السبب يحدد بسرعة بأن الراعي الصالح هو من يعرف كل واحدة من خرافه، وبالعكس، وخرافه تعرفه.  « أنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني. كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف»(يو10/ 14 -15).

 

 إذن نحن مشاركين في وحدة الله الآب، والابن والروح. لا ننسى بأن فعل المعرفة في الكتاب المقدس، يقول أكثر بكثير من لغتنا المعتادة: إنه مستعمل للتعبير عن العلاقة الزوجية. أي أن معرفة المسيح لنا وبالعكس تعني علاقة حميمة بيننا وبينه. وبهذا المعنى هو أيضاً الباب.

 

وبالتالي، عندما نقول «كنيسة»، علينا أن لا نقع في الفخ ونفكر «بكتلة»، أو «جموع» وحتى إلى حد ما «بشعب». «كنيسة» تعني أولاً دعوة، نداء موجه لكل إنسان «باسمه».

 

 والخراف، للوهلة الأولى، تتشابه فيما بينها، لكن ليس المؤمنين، من هنا ضرورة وجود سلاسة كبيرة فيما يخص طرق الإيمان والتصرف. وحدتنا، لتكون حقيقية، عليها أن تتماشى مع التنوع.

 

بولس الرسول يشعر بضرورة شرح الموضوع مطولاً. فالفصل 12 من رسالته الأولى إلى أهل قورنتس مكرس بكامله لهذا الموضوع، حيث يوضح بأن الروح واحد لكن المواهب متعددة ومختلفة: «إِنَّ المَواهِبَ على أَنواع وأَمَّا الرُّوحُ فهو هو، وإِنَّ الخِدْماتِ على أَنواع وأَمَّا الرَّبُّ فهو هو».

 

في النهاية أقول، أن ما يجعلنا نوجد، هو أن المسيح يدعو كل واحد باسمه.

 

 

الاب رامي الياس اليسوعي.