أَنْكِرْ نَفْسَكَ وَاحْمِلْ صَلِيبَكَ واتْبَعْ يَسُوع «متفرقات

 

 

 

 

 

أَنْكِرْ نَفْسَكَ وَاحْمِلْ صَلِيبَكَ واتْبَعْ يَسُوع

 

 

إِنَّهُ لَصَعْبٌ على الكَثِيرينَ هذا الكَلام: "أَنْكِرْ نَفْسَكَ وَاحْمِلْ صَلِيبَكَ واتْبَعْ يَسُوع".


وَلكِنَّهُ سيَكُونُ أَصْعَبَ جِدًّا سمَاعُ هذِهِ الكَلِمَاتِ الأخِيرَة: "إِلْيْكُمْ عَنِّي يا مَلاعينُ إِلى النَّارِ الأبَديَّة". فالَّذِينَ يَرْتَاحُونَ الآنَ إِلى سَمَاعِ وَصِيَّةِ الصَّلِيبِ وَاتّباعِها، لَنْ يَخافُوا حينَئِذٍ أَنْ يَسْمَعوا حُكْمَ الهلاكِ الأبَدِيّ.

 

"وإِنَّ علامَةَ الصَّلِيبِ هذِه، سَتَكُونُ في السَّماءِ حينَمَا يَأْتِي الرَّبُّ للدَّينونَة". حِينئِذٍ جَميعُ عَبيدِ الصَّليب، الَّذينَ تَشَبَّهُوا في حياتِهِم بالمَصْلُوب، يَدْنُونَ إِلى المَسِيحِ الدَّيَّان، بِثِقَةٍ عَظيمَة.


فَلِمَ تَخافُ إِذَنْ مِنْ حَمْلِ الصَّليبِ، الَّذي بِهِ يُذْهَبُ إِلى المَلَكُوت؟ في الصَّلِيبِ الخَلاص في الصَّلِيبِ الحَياة، في الصَّليبِ الحِمَايَةُ مِنَ الأَعْداء، في الصَّلِيبِ فَيَضانُ العُذُوبَةِ العُلوِيَّة، في الصَّليبِ كَمَالُ القداسَة. لا خَلاصَ لِلِنَّفْس، ولا أَمَلَ في الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ إِلاَّ فَي الصَّليب.  فاحْمِلْ إَذَنْ صَليبًكَ واتْبَعْ يَسوع، تَبْلُغْ إِلى الحَياةِ الأَبَدِيَّة.

 

لَقَدْ سَبَقَكَ هُوَ "حَامِلاً صَلِيبَهُ"، ومَاتَ لأَجْلِكَ على الصَّليب، لِكَي تَحْمِلَ أَنْتَ أَيْضًا صَلِيبَك، وَتَتوقَ إِلى المَوتِ على الصَّلِيب. فإِنَّكَ "إنْ مُتَّ مَعَهُ، فَسَتَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ"، وإِنْ شارَكْتَهُ في العَذاب، فَسَتُشارِكُهُ في المَجْدِ أَيْضا.

 

ها في الصَّليبِ قِوامُ كلِّ شَيء، وَفي المَوتِ أساسُ كُلِّ شَيْء، وَليْسَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إِلى الحَياةِ والسَّلامِ الدَّاخليِّ الحَقّ، سِوى طَريقِ الصَّلِيبِ المُقَدَّس، وَالإماتَةِ اليَوميَّة. 


إذْهَبْ حَيثُمَا شِئْتَ، وَاطْلُبْ كُلَّ ما أَرَدْت، فإِنَّكَ لَنْ تَجِدَ في العُلُوِّ طَرِيقًا أَسْمى، ولا في الانْخِفَاضِ طَريقًا آمَنَ من طَرِيقِ الصَّليبِ المُقَدَّس.

 

دَبّرْ وَرَتِّبْ كُلَّ شَيْءٍ وَفْقَ إِرَادَتِكَ وَرأْيِكَ، وَلكنَّكَ لَنْ تَجِدَ أَبَدًا شَيْئًا آخَرَ سِوى أَنَّهُ لا بُدَّ لَكَ مِنَ التَّأَلُّمِ في شَيْءٍ ما، شِئْتَ أَمْ أَبَيْت. وَهكَذا سَتَجِدُ الصَّلِيبَ على الدَّوام. فإِمَّا أَنْ تَشْعُرَ بِالأوْجاعِ في جَسَدِكَ، وإِمَّا أَنْ تُعانيَ ضِيقَ الرُّوحِ في نَفْسِكَ.

 

تَارَةً يَخذُلُكَ الله، وَطَوْرًا يُزْعِجُكَ القريب؛ وما هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كِلَيْهِمَا، أَنَّكَ كَثِيرًا ما تَكونُ أَنْتَ نَفْسِكَ. وَمَعَ ذلِكَ، فما مِنْ دَواءٍ ولا تَعْزِيَةٍ لِتَخْليصِكَ أَوالتَّفْريجِ عَنْك؛ بَلْ عَلَيْكَ أَنْ تَصْبِرَ إِلى ما شاءَ الله. فإِنَّ اللهَ يُريدُ تَدْرِيبَكَ على احتِمِالِ الضَّيقِ بدونِ تَعْزِيَة، لِتَخْضَعَ تَامًّا، وتَعودَ مِنَ الضِّيقِ أَكْثَرَ تَواَضُعا. ما مِنْ أَحَدٍ يَشْعُرُ حَتَّى صَمِيمِ قَلبِه، بِآلامِ المَسيح، مِثْلَ مَنْ أُوتِيَ أَنْ يَحتَمِلَ آلامًا تُشْبِهُها. فَالصَّلِيبُ مُهَيَّأُ أَبَدًا، وَهُوَ يَنْتَظِرُكَ في كُلِّ مَكان.

 

لا تَستَطِيعُ التَّمَلُّصَ مِنْهٌ أَيْنَمَا هَرَبْت، لأَنَّكَ حَيْثُمَا ذَهَبتَ فأَنْتَ تَحْمِلُ مَعَكَ نَفْسَكَ، وَتَجدُ دائِمًا نَفْسَك. أُنْظُرْ إِلى ما في داخِلِكَ، تَجِد الصَّليبَ فيها كُلِّها. فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ في كُلِّ مَكان، إِنْ شِئْتَ الحُصولَ على السَّلامِ الدَّاخِليّ، واسْتِحْقاقَ الإكْلِيلِ الخَالِد.

 

 

من كتاب "الإقتداء بالمسيح"

 


 (السفر الثاني عشر،1-3/2-4)