افتتاح السنة القضائية 2017-2018 «متفرقات

 

 

 

 

 افتتاح السنة القضائية 2017-2018

 

 

 

 أخي سيادة المطران حنا علوان المشرف على محكمتنا الابتدائية الموحدة،

 المونسنيور النائب القضائي رئيس المحكمة الابتدائيّة الموحَّدة المحترم،

  القضاة والموظّفون القضائيّون في المحكمتَين الابتدائيّة الموحّدة والبطريركيّة الاستئنافيّة الأعزّاء،

 

 

 

1. يسعدني أن أرحّبَ بكم، وأبادلكم أطيب التهاني القلبيّة والتمنيات بالميلاد المجيد والسنة الجديدة 2018، وقد عبّرتُم عنها بلسان الخوراسقف وهيب الخواجه.

 

إنّي، إذ أشكركم على خدمة القضاء باسم البطريركيّة ومطارنة الأبرشيّات، أُدركُ معكم أنّ تكاثر عدد الدعاوى بات يشكّل خطرًا كبيرًا على عائلاتنا المسيحيّة: في وحدتها وسعادة أفرادها؛ وفي سلامة الأولاد الروحيّة والنفسيّة وتربيتهم؛ وفي حسن نموّ شبيبتها ضمن دفء الحبّ العائلي. فأودّ أن أكلّمكم اليوم عن خدمتكم القضائيّة والكنسيّة، القانونيّة والروحيّة، انطلاقًا من القاعدة الكنسيّة-القضائيّة: "خلاص النفوس الشريعة السميا" (ق1752 من مجلة الحقّ القانوني).

 

2. لا نستطيع، في زمن الميلاد، إلّا أن نفكّر أوّلًا بالأزواج وأفراد العائلات الذين حُرموا من بهجة العيد وسعادته الداخليّة في نفوسهم وداخل بيوتهم، بسبب جراحات سبّبها كسرُ الرباط الزوجي، أو حالةُ الهجر، أو واقع النزاعات وانشطار الشَّركة وتباعد القلوب.

 

هؤلاء جميعًا هم في عهدة الكنيسة عبر خدمتها المزدوجة الراعويّة والقضائيّة. ذلك أنّهم حاضرون في قلب المسيح الفادي الذي، وهو ابن الله، تجسّد في عائلة لكي يخلّص كلّ عائلة بجميع أفرادها. لقد أخذ على عاتقه الإنسان لكي يحرّرَه من خطيئته وضياعه وحزنه، ويعيدَ إلى قلبه السعادة الحقيقيّة. من هذا المنظار ننظرُ معكم إلى الخدمة القضائيّة التي تؤدّونها باسم المسيح والكنيسة، كقضاة وموظَّفين قضائيِّين ومحامين ووكلاء.

 

3. إنّ سينودس الأساقفة الروماني، الذي دعا إليه قداسة البابا فرنسيس كان يهدف إلى تعزيز العائلة والزواج المسيحي والدفاع عنهما من أجل الخير الأكبر للزوجَين الأمينَين للعهد الذي قطعاه أمام المسيح. فلا يمكن فصل خدمة العدالة الكنسيّة عن وجهها الروحي. لذلك، أنتم مدعوّون، أيّها القضاة، بكلمات البابا فرنسيس، لتكونوا قريبين من آلام الأزواج والأولاد المجروحين، سواء في الرباط الزوجي أم في الشَّركة العائليّة، بحيث تقدّمون لهم المساعدة الفعليّة بحكم صلاحياتكم، فيتمكّنوا من العيش في سلام الضمير، ووفقًا لإرادة الله. إنّكم في آن تداوون الجراح، وتلتزمون بقدسيّة الرباط الزوجي.

 

 

 

4. "خلاص النفوس هو الشَّريعة السميا". هذه القاعدة الروحيّة-القانونيّة تحتوي على ثلاثة: العدالة والإنصاف، وخلاص النفوس.

 

العدالة تقتضي إعطاء المتداعين ما هو واجب لهم بحكم القوانين القائمة.

 

والإنصاف يقتضي إعطاءهم ما هو واجب لهم، انطلاقًا من مشاعر الرحمة وواقع الأشخاص والظروف الراهنة، مع اعتبار ما يقتضيه الشّرع بجملته، وهو الخير العام وخلاص النفوس. فالإنصاف يلطّف حدّة القانون، ويحرّر من التقيّد المفرط بالحرف. "فالحرفُ يقتل والروح يُحيي" على ما يقول بولس الرسول (2كور3: 6).

 

خلاصُ النفوس هو الغاية الأساسيّة من سنّ القوانين وتطبيق العدالة. المحكمة هي في خدمة القانون من أجل ممارسة العدالة. القانون وسيلة لا غاية. فالغاية الأولى هي خلاص النفوس، والخلاص هو الرجاء الذي يتحقّق في الملكوت. إذا تحوّل القانون إلى غاية أطفأ روح الكنيسة الذي هو الروح القدس. إنّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في تعليمه عن الكنيسة – الشّركة (راجع نور الأمم، 4 و9 و13)، يكشف الأساس الروحي لقوانين كنسيّة، ويؤكّد ترتيبها لخلاص الإنسان. فيصبح القانون قانون المحبة في هيكليّة الشركة والنعمة، على ما يقول الطوباوي البابا بولس السادس. وهكذا لا فصل بين الإنجيل والمؤسّسات الكنسيّة، وبينه وبين المحكمة.

 

5. على هذه الثلاثة مجتمعة، العدالة والإنصاف وخلاص النفوس، تؤسّسون أيّها القضاة أحكامكم وقراراتكم. فالقاضي بحسب اللّفظة اللاتينيّة والشَّرع الروماني Iudex (Ius-dex والفعل Ius-dicere؛ هو صاحب الصلاحيّة القضائيّة لينطق بالعدل، أي ليقول، في الحالة المطروحة أمامه، ما يرسمه القانون، وتقتضيه العدالة ويستوجبه الإنصاف، من أجل خير المتداعين الروحي والمعنوي والمادي.

 

وتفعلون ذلك بعد أن يتكوّن لديكم اليقين الأدبي من خلال درس ملفّ الدّعوى بكامله: الأعمال والبيّنات والقرائن والدلائل، تحليلًا ونقدًا لقيمتها الثبوتية. ومعلومٌ أنّ قول القاضي هذا يتّخذ قوّة القانون وطابعه الإلزامي بالنسبة إلى المتداعين.

 

ولهذا السبب، بموجب القانون 1292 على قضاة المحكمة المجلسية حضور جلسة المذاكرة حيث يقدّم كلّ قاض بمفرده إستنتاجاته حول الإرتيابات المطروحة، على أن يقدّم معها البراهين في القانون والواقع. فمن الواجب التّقيّد بكلّ ما يرسمه هذا القانون، فيسهر على ذلك رئيس الهيئة أو المقرّر تحت إشراف رئيس المحكمة والمطران المشرف في كلّ حال.

 

 

 

6. إنطلاقًا من كلّ هذه الإعتبارات، أجرى قداسة البابا فرنسيس، في إرادته الرّسوليّة "يسوع العطوف الرّحوم" (15 آب 2015) إصلاح أصول المحاكمات القانونيّة في دعاوى إعلان بطلان الزّواج. فشدّدَ على أنّ "المسيح راعي وقاضي نفوسنا أوكل إلى بطرس الرّسول وخلفائه سلطان المفاتيح ليكمّلوا في الكنيسة خدمة الحقيقة والعدالة... في هذا الإطار تندرج خدمة الأسقف. فهو قاضٍ وطبيب. ذلك أنّ الإنسان المجروح والساقط بسبب الخطيئة الأصليّة وخطاياه الشخصيّة، أصبح مريضًا، فيحصل من الله، بدواء التوبة، على الشفاء والمغفرة، ويتصالح مع الكنيسة. فالأسقف، المُقام من الروح القدس صورة المسيح ومكانه، هو قبل أيّ شيء خادم الرحمة الإلهيّة. لذا، تشكّل ممارسة السلطة القضائيّة المكان المميَّز حيث يحمل، من خلال تطبيق مبدأَي «الإكونوميا» (التدبير) و«الأكريبيا» (الرحمة)، رحمة الربّ الشافية إلى المؤمنين المحتاجين إليها" (راجع المقدمة).

 

يقوم الأسقف بخدمته هذه من خلال محكمته، حيث يعيّن فيها نائبه القضائي والقضاة ومحامي الوثاق والعدل، أو من خلال المحكمة الموحّدة أو المشتركة (قانون 1067 و1068) حيث النائب القضائي فيها والقضاة ومحامو الوثاق والعدل يمثّلون كلّ أسقف. لكنّهم يمارسون صلاحيّاتهم القضائيّة باستقلاليّة مطلقة في الأحكام، انما وفقًا لتوجيهات السّلطة الكنسيّة، الإداريّة والتنظيميّة.

 

7. وأنشأ البابا فرنسيس، في إصلاحه، المحاكمة الزواجيّة الأقصر حيث الأسقف وحده هو القاضي الطبيعي، ويتعاون في إجراء التحقيق مع النائب القضائي وقاضٍ محقّق وآخر معاون. وبعد إجراء ما يوجبه القانون 1373 البند1 من الإرادة الرسوليّة يصدر هو شخصيًّا الحكم ببطلان الزواج ويوقّعه - تحت طائلة بطلانه - إذا تكوّن لديه اليقين الأدبي حول بطلان الزواج. وإلّا فعليه أن يحيل الدعوى إلى المحاكمة بالطريقة العادية.

 

ومعلومٌ أنّ النظر في الدعاوى الزواجيّة بالطريقة الأقصر منوط بشرطَين: الأوّل، توفّر الحالات المنصوص عليها في الإرادة الرسوليّة، المادّة 14 من القواعد العامّة؛ الثاني، قبول الزوجَين باعتماد الطريقة الأقصر.

 

8. إنّنا، فيما نقدّر تضحياتكم في خدمة الحقيقة والعدالة من أجل خلاص النفوس، نتمنّى لكم، أيّها الإخوة السَّادة المطارنة الأجلّاء، والقضاة والموظّفون القضائيّون الأحبّاء، ميلادًا مجيدًا ينير حياتكم ورسالتكم وخدمتكم بنور شخص المسيح ونور إنجيله، وسنة جديدة 2018 غنيّة بالخير والنعم والسلام.

مع دوام محبّتي وصلاتي وبركتي الرسولية.

 

                         

 وُلد المسيح! هللويا!

 

 

كلمة الكردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي افتتاح السنة القضائية 2017-2018 - بكركي​