البطريرك الراعي يلتقي القضاة والموظّفين الاداريين في المحاكم المارونية «متفرقات

 

 

 

إستقبل غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر يوم الجمعة 21 كانون الاول 2018، في الصرح البطريركي في بكركي، وفد القضاة والموظفين القضائيين في المحاكم المارونية بمناسبة افتتاح السنة القضائية، يرافقهم المطران الياس سليمان رئيس المحكمة البطريركية الإستئنافية، المطران حنا علوان المشرف على المحكمة الإبتدائية الموحدة، والمونسنيور نبيه معوض النائب القضائي على المحكمة الإبتدائية الموحدة.

 

 

 

والقى المونسنيور معوض كلمة باسم الوفد استهلها بتقديم التهاني للبطريرك الراعي وللأسرة البطريركية بمناسبة الأعياد المجيدة، وعرض فيها لواقع الحياة الزوجية والقضاء مؤكدا ان "الزواج هو سر مقدس يقدسنا ويجعلنا شركاء الله في عمل الخلق."

 

 

 

ولفت معوض الى ان "هذا السر هو اليوم عرضة للإمتهان والسخرية والإزدراء والخلافات والتفكك،" مستشهدا بقول البابا بيوس الثاني عشر ان "العائلة هي عنصر مقدس وهي مهد الوطن ومناعته وعزه، ولا نضحي بنمو العائلة لقاء ثروة وجاه زائلين."

 

 

 

وعرض معوض للاسباب التي تقوض العائلة اليوم ومن بينها "الضيقة المالية، غياب الإنسجام وعدم احترام جسد الاخر، التفاوت في الإلتزام الديني، اختلاف في وجهات نظر سياسية واهمال الواجبات الزوجية المتبادلة،" مضيفا اليها وسائل التواصل الإجتماعي.

 

 

 

ورأى معوض ان "الكنيسة لا تتحمل وحدها المسؤولية في هذا الشأن وانما الدولة هي من تتحمل القسم الأكبر وذلك من خلال تردي الأوضاع الإقتصادية، وانتم يا صاحب الغبطة قد حذرتم من ذلك منذ اكثر من عشرين سنة والمشهد كأنه اليوم وقد قلتم حينها، كلنا مصاب بشلل، في مواقفنا، في التزامنا المسيحي والإنساني، في حياتنا اليومية، لبنان في شلل كذلك عائلاتنا ومؤسساتنا العامة والخاصة اضافة الى بنية العائلة اللبنانية."

 

 

 

وتابع "ومع هذا سنبقى متشبثين بأرضنا وايماننا وكنيستنا لاننا نستمد قوتنا من جسد المسيح ودمه."

 

 

 

وختم معوض:" صاحب الغبطة اذا الدولة تركت ابناءها فالله لا يترك شعبه فأرسلك قائدا ومنقذا في هذا الزمن الرديء.فانتم بشارة لكنيستنا وراع لشعبها وعين ساهرة على لبنان."

 

 

 

وكانت كلمة البطريرك الراعي بعنوان "قدسية الزواج وممارسة القضاء،" قال فيها:"

 

 

 

 

 

  إخواني السّادة المطارنة

 

 

      الآباء القضاة والموظّفون القضائيّون الأحبّاء

 

 

      الإخوة والأخوات الأعزّاء.

 

 

 

      1. يسعدني أن أفتتح معكم السّنة القضائيّة 2018 – 2019، ونحن على مشارف عيد الميلاد المجيد. فيطيب لي أن أبادلكم التّهاني المخلصة التي أعرب عنها بإسمكم حضرة المونسنيور نبيه معوّض النّائب القضائيّ على محكمتنا الإبتدائيّة الموحَّدة. فأتمنّاه لكم عيدًا سعيدًا مليئًا بالخير والنّعم، كما أهنّئكم بالسّنة الجديدة 2019 التي نرجوها سنة سلام لوطننا الحبيب لبنان ولبلدان الشّرق الأوسط، بل للعالم. وإنّي أشكركم على خدمة القضاء بإسم الكنيسة بإشراف وسهر إخواني السّادة المطارنة: المطران الياس سليمان رئيس محكمتنا البطريركيّة الاستئنافيّة، والمطران حنّا علوان المشرف على محكمتنا الابتدائيّة الموحَّدة، والمطران مارون العمّار المشرف العامّ على توزيع العدالة. إنّ وجود ثلاثة مطارنة في محاكمنا فمن أجل ضمانة الخدمة الصّافية للعدالة، وإنصاف المتداعين في حالات الظّلم، وسماع شكواهم بتفهّم وسعة صدر.

 

 

 

      2. تكلّم المونسنيور نبيه عن قيمة الزّواج كسرّ ومكان السّعادة والحبّ، وعن انتهاك هذه القيمة بمختلف الأسباب، كما تظهر في الدّعاوى الزّواجيّة. فأشكره على هذه الكلمة التي تفسح في المجال للكلام عن قدسيّة الزّواج، وخطورة الحكم بصحّته أو عدمها في محاكمنا، وعن مهابة القضاء والقضاة وسائر الموظّفين القضائيّين.

 

 

 

 

         قدسيّة الزّواج

 

3. في مقاربة الدّعاوى الزّواجيّة، يجب ألاّ يغيب عن بال القضاة ومحاميّ الوثاق أنّهم أمام مسؤوليّة زواج هو "عهد حبّ بين الزّوجين وسرّ مقدّس"، قبل النّظر في صحّة العقد أو عدمها. إنّ مجموعة قوانين الكنائس الشّرقيّة تنصّ على أنّ الزّواج "عهد" أسّسه الخالق ونظّمه بشرائع (راجع القانون 776). وبهذه الصّفة له طابع قدسيّ، لكونه على صورة "عهد الله مع شعبه". ولذا هو عهد مثلّث الأبعاد: عهد عاموديّ مع الله الذي أسّس الزّواج ونظّمه. فلا يخضع في جوهره لإرادة الزّوجين، بل هما خادمان يخضعان له. وهو عهد أفقيّ بين الزّوجين يلتزم به كلّ واحد منهما بإسعاد الآخر وتأمين خيره، إذ يشكّلان معًا جماعة حبّ وحياة. وهو عهد إنحداريّ مع الأولاد لجهة واجب إنجابهم وتربيتهم، والحفاظ على الإرث الوالديّ والعائليّ المنقول من جيلٍ إلى جيل. ولذلك تنصّ القوانين الكنسيّة على أنّ للزّواج ميزات أساسيّة هي الوحدة والأمانة أي الإستئثاريّة والدّيمومة أي عدم الانفصام، وأنّ له غايات جوهريّة هي خير الزّوجين و خير الأولاد (ق 776).

 

 

 

      4. إنّ عهد الزّواج هذا قدّسه السيّد المسيح بتجسّده في عائلة، ورفعه إلى رتبة سرّ لكي يكون أداة تقديس وخلاص للزّوجين وللأولاد بالنّعمة الإلهيّة التي تُفاض عليهم، ولكي يرمّم الزّوجان المؤمنان النّظام الذي أراده الله الخالق، لحفظ كرامة الزّواج وقدسّيته.

 

 

 

         العقد الزّوجيّ

 

      5. إنّ عهد الحبّ من جهة الزّوجين، ونعمة السّرّ من جهة الله، يتحقّقان في عقد قانونيّ قائم على الرّضى المتبادل بين الزّوجين، بوعي ومسؤوليّة وإدراك، ومكوَّن من عناصر العقد الأساسيّة، وهي: الأهليّة الخالية من أيّ مانع مبطل، وسلامة الرّضى من أيّ عيب جوهريّ، والصّيغة القانونيّة التي يتمّ فيها تبادل الرّضى. إنّ القوانين الكنسيّة تنصّ عليها كلّها بوضوح.

 

 

 

 

      صحيحٌ أنّ الزّواج سرّ عندما يكون العقد صحيحًا، فيصحّ هنا قول الرّبّ يسوع: "ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان" (متى 3:19). ولكنّ الزّواج ينعم بحماية الشّرع. ولذا، في حالة الشّكّ يُعتبر صحيحًا حتى إثبات العكس" (ق 779). وإن ثبت بطلانه، يمكن بل من الأفضل تصحيحه بموجب القوانين (843-852). في كلّ حال يبقى على القاضي أن يحاول مصالحة الزّوجين مباشرة أو بواسطة "مكتب الإصغاء والمصالحة" في المحكمة، ولاسيّما لجهة الاتّفاق الحبّيّ على النّفقة وحراسة الأولاد ومشاهدتهم، بدون اللّجوء إلى قرارات بغيضة تترك أثرها السّلبي على الأولاد.

 

 

 

 

 

         الدّعاوى بموجب القانون 818

 

 

 

6. من المؤسف أنّ القانون 818 الذي ينصّ على حالات عدم القدرة على عقد زواج صحيح، قد فتح باباً واسعًا أمام دعاوى بطلان الزّواج، وأصبح السّبب للغالبيّة السّاحقة من الدّعاوى التي تنتهي بإعلان بطلان الزّواج، كما يتبيّن من التّقارير السّنويّة التي تصل إلى سينودس أساقفة كنيستنا.

 

 

 

إنّ الأسباب الثّلاثة التي يحدّدها القانون 818 هي حالات شاذّة ومرَضيَّة معروفة طبّيًّا بحيث أنّها تشكّل إمّا نقصًا في الاستعمال الكافي للعقل (الحالة الأولى)، وإمّا نقصًا في الحكم الصّائب وفي إدراك الحقوق والواجبات الزّوجيّة (الحالة الثّانية)، وإمّا نقصًا في تحمّل موجبات الزّواج الأساسيّة لأسباب ذات طبيعة نفسانيّة (الحالة الثّالثة). وهذه كلّها تتعلّق بوجوب سلامة المعرفة، وحريّة الإرادة في الخيار والتّقرير، وواجب الالتزام بالحقوق والواجبات، لكي يكون الرّضى الزّوجيّ المتبادل فعل إرادة حرّة وواعية ومدركة وملتزمة، عند عقد الزّواج. ولذا يجب التّمييز بين كينونة الزّواج الحاصل، وحسن عيش الكينونة في واقع الحياة اليوميّة. إنّ دعاوى إعلان بطلان الزّواج تدور حول كينونة الزّواج الحاصل ساعة انعقاده.

 

 

 

 

 

   القاضي والخبرة النّفسيّة

 

 

7. يحتاج القاضي في هذه الدّعاوى إلى خبرة طبيب نفسانيّ متحلٍّ بروح المسؤوليّة والتّجرّد وأخلاقيّة الوظيفة والالتزام المسيحيّ. لكنّه يحجم عن تعيين خبير، إذا تبيّن له من المعطيات المتوفّرة أنّ تعيينه غير مفيد، كما ينصّ القانون 1366، إمّا لأنّ الوثائق المتوفّرة في أعمال الدّعوى تثبت الحالة المشكوّ منها، وإمّا لأنّ لا شيء في أعمال الدّعوى يدلّ على وجود هذه الحالة. فلا يجوز إرهاق المتداعين بالخبرة وكلفتها من دون داعٍ ضروريّ. فإجراء الخبرة بحدّ ذاتها بغيض.

 

 

 

 

من واجبات القاضي ومحامي الوثاق تحديد النّقاط المطلوب من الخبير الاختصاصيّ الإجابة عليها، بحيث تتمحور حول الحالة النّفسيّة المشكوّ منها وطبيعة الانحراف أو الشّذوذ، وتأثيرها على العقل والإرادة، وزمن نشأة المرض، وتقييم درجة شدّته التي تفسد أو تعطّل القدرة النّفسيّة على منح رضى صحيح.لا يحقّ للخبير إطلاق حكم أو رأي بشأن صحّة الزّواج أو عدمه، لأنّه بذلك يتخطّى حدود صلاحيّاته.

 

 

 

8. أمّا القاضي، من جهته، فعليه أن يقيّم الخبرة التي هي عنصر يُضاف إلى البراهين والبيّنات. فلكي يُصدر حكمه، بموجب القانون 1291، يُشترط أن يتكوّن لديه اليقين الأدبيّ حول القضيّة المطروحة من جميع أعمال الدّعوى وبيّناتها.

 

 

 

هذا الواجب مطلوب ليس فقط من القاضي المنفرد، ومن المقرّر في المحكمة المجلسيّة، بل ومن القاضيين الآخرين في الهيئة الحاكمة، كما يوجب القانون 1292 عند عقد جلسة المذاكرة. وهذا ما نطالب به باستمرار، لتكون للحكم المرتكز على ثلاثة آراء قيمة علميّة وقانونيّة.

 

 

 

   مهابة القاضي والقضاء

 

 

 

9. بما أنّ الحكم في بطلان الزّواج أو صحّته أمر خطير يتعلّق بقدسيّة السّرّ المقدّس وبإرادة الله فتقتضي مهابة القاضي ألاّ يصدر حكمه وهو متأثّر بأحكام مسبقة أو بمشاعر شخصيّة أو بتدخّلات خارجيّة أو بصداقات أو برشوات أو بهدايا وإكراميّات. بل ينبغي أن يكون ذا مناعة شخصيّة لا تتأثّر بأيّ إغراء. تبقى القاعدة الأساسيّة إرضاء ضميره المهنيّ الذي هو صوت الله في أعماقه، وإصدار الحكم ضمن حدود القانون وروحه.

 

 

 

تُنتهك مهابة القاضي عندما يتّخذ موقفًا إيجابيًّا أو سلبيًّا تجاه الزّوج أو الزّوجة، قبل البدء بالنّظر في الدّعوى، إمّا لمشاعر شخصيّة، وإمّا لأحكام مسبقة.

 

 

 

10. تقتضي مهابة القضاء أن يكون قولاً شرعيًّا يُطبَّق فيه القانون على الواقع المطروح، فيأتي الحكم مطابقًا للعدالة. فمن الواجب أن يكون القسم الخاصّ بالقانون والتّعليم والاجتهاد بمثابة نور يلقي الضّوء على الحالة موضوع النّقاش. فأين العدالة عندما يكون تطبيق القانون استنسابيًّا أو متجاوزًا له؟ وعندما يُحكم بالنّفقة المعيشيّة، وإسمها يدلّ عليها، بقيمة ماليّة باهظة "لتغطية نفقات الخادمة والسّائق والمصاريف غير المنظورة، بالإضافة إلى المأكل والمشرب واللّباس والأقساط المدرسيّة وبوليصة التّأمين؟ وعندما يُحكم بالتّعويض الماليّ عن بطلان الزّواج للجهة المتسبّبة بالبطلان، وبحراسة الأولاد لها، وبخاصّة إذا كان السّبب خطيرًا على المستوى الأخلاقيّ أو النّفساني؟

 

 

 

تُنتهك مهابة القضاء إذا نشأت صداقات بين قضاة ومحامين. بحيث يُشاع على سبيل المثال "أنّه لا يمكن للمحامي فلان أن يخسر أيّة دعوى أمام القاضي فلان"، أو أنّ "المحامي فلان "يمون" على تعيين القاضي الصّديق فلان مقرّرًا في دعوى هي بوكالته"، أو أنّ "القاضي فلان "يسوّق" لصديقه المحامي فلان ليتوكّل في دعوى معيّنة أو أكثر".

 

 

 

وتُنتهك مهابة القضاء عندما تسود "الخوشبوشيّة" بين المحامين والموظّفين القضائيّين، فتُسرَّب نتائج الأحكام قبل صدورها رسميًّا، وتدور الرّشاوى تحت ستار الإكراميّة أو الهديّة.

 

 

 

 

    تذكير

 

11. أودّ في النّهاية التّذكير بأنّ التّعديلات التي أجراها قداسة البابا فرنسيس في الإرادة الرّسوليّة "يسوع العطوف الرّحوم"، هي من أجل الإسراع في بتّ الدّعاوى الزّواجيّة، لا من أجل تسهيل إعلان بطلان الزّيجات، وهي من أجل احترام حقّ المتداعين في أن ينالوا، خلال مدّة معقولة، جواب الكنيسة لمطلبهم، ويحصلوا على العدالة. من مقتضيات الإسراع في بتّ الدّعاوى تفرّغ القضاة من مسؤوليّاتٍ تلتهم أوقاتهم الهادئة واللّازمة والكافية لدراسة ملفّات الدّعوى، والالتزام بأيّام العمل والدّوام المحدّدة في نظام المحكمة. فلا يحقّ لهم أن يراكموا الملفّات ويماطلوا في دراستها وفي إصدار الأحكام لأنّهم بذلك يظلمون المتداعين، ويُضاعفون مشاكلهم، ويحملونهم على السّخط وانتقاد الكنيسة.

 

 

 

 

 

إخواني السّادة المطارنة،

 

 

أيّها القضاة والموظّفون القضائيّون

 

 

 

12. إنّكم بخدمتكم لتوزيع العدالة في محاكمنا المارونيّة تجسّدون وجه الكنيسة – الأمّ المعنيّة بأبنائها وبناتها، وتعيش بالقرب منهم لتضمّد جراحهم بالرّحمة والعدالة، وتسعى من خلال قوانينها وممارسة سلطتها القضائيّة إلى خلاص نفوسهم الذي هو شريعتها الأسمى.

 

 

أخذ الله بيدكم وبارك أعمالكم لمجده تعالى وخير النّفوس ونصرة العدالة والإنصاف.

 

ولد المسيحهللويا !

 

 

موقع بكركي.