البيان الختامي للدورة 52 لمجلس البطاركة والاساقفة في لبنان «متفرقات

 

 

مقـدّمـــة

 

 

 

 

عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان دورته السنوية العادية الثانية والخمسين في الصرح البطريركي في بكركي، من الثاني عشر حتى السادس عشر من شهر تشرين الثاني 2018، برئاسة صاحب الغبطة والنيافة، الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وبمشاركة أصحاب الغبطة مار يوسف العبسي، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، ومار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي، ومار كريكور بيدروس العشرين، بطريرك كاثوليكوس الأرمن الكاثوليك على كرسي كيليكيا، وأصحاب السيادة المطارنة، وقدس الرؤساء العامين والرؤساء الأعلين، وحضرات الرئيسات العامات أعضاء المكتب الدائم للرهبانيات النسائية. وشارك في جلسة الافتتاح سيادة السفير البابوي المطران جوزف سبيتري.

 

 

 

 

في البداية رحّب صاحب الغبطة والنيافة رئيس المجلس في كلمته الافتتاحية بسيادة السفير البابوي الجديد وتلا رسالة تعيينه وتقديمه للكنيسة في لبنان، الموقعة من نيافة الكردينال بيترو بارولين أمين سرّ دولة الفاتيكان. كما رحّب بالأعضاء الجدد، وهم: السادة المطارنة الياس سليمان، ومتّياس شارل مراد ويوحنا رفيق الورشا، وبالأب العام وسام معلوف. وصلّى مع الآباء لراحة أنفس البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد بطريرك السريان الأنطاكي السابق والمثلّثَيْ الرحمة المطرانين جورج إسكندر وأندره حدّاد. ثم عرض موضوع الدورة العام الذي يتناول مشروع "شرعة التعليم المسيحي للكنائس الكاثوليكية في لبنان"، وهو موضوع يلبّي حاجة ملحة في زمننا بسبب المتغيرات التي أصابت في العمق إنساننا والعائلة والمجتمع". هذا بالإضافة الى موضوعين آخرين: الأول، إجراء انتخابات إدارية، والثاني، البحث في الأوضاع الراهنة في لبنان وما يتّصل بالكنيسة وأبنائها.

 

 

 

 

ثم ألقى سيادة السفير البابوي كلمة عبّر فيها عن فرحته بالمشاركة للمرة الأولى في أعمال المجلس، ونقل "الى الأعضاء والى أرض الأرز النبيلة" سلام قداسة البابا فرنسيس وقربه بالصلاة من الجميع". وشدّد على أن "مهمّة الكنيسة في نقل الإيمان وتعليم الحياة الصادقة تصبح أصعب كلّ يوم في لبنان بسبب عوامل عدّة، منها الجراح الناتجة عن الحروب والصراعات المسلحة في المنطقة وعن تهجير شعوبها، فضلاً عن الأزمات السياسية والاقتصادية، وبخاصة الأزمة التي تواجهها المدارس الخاصة والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعية".

 

 

 

 

وبعد أن وجّه صاحب الغبطة والنيافة باسم المجلس برقية الى قداسة البابا فرنسيس عن أعمال الدورة، وطلب بركته الرسولية عليها وعلى كنائسنا في لبنان، باشر الآباء بدراسة المواضيع وأصدروا البيان التالي:

 

 

 

 

أوّلاً: شرعة التعليم المسيحي للكنائس الكاثوليكية في لبنان

 

 

استمع الآباء الى كلمة رئيس اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي في لبنان سيادة المطران سيزار أسايان، عرض فيها مسيرة عمل اللجنة في تحضير مشروع شرعة التعليم المسيحي للكنائس الكاثوليكية في لبنان. وأضاء على عدد من التحديات التي تواجه رسالة التعليم المسيحي، ومنها: تعدّد المناهج والبرامج واختلاف المضامين ونشر الكتب من دون الأخذ في الاعتبار المنهاج الموحد ومن دون العودة الى اللجنة الأسقفية، وواقع التعليم المسيحي في المدارس الرسمية والخاصة غير الكاثوليكية. وشدّد على دور الرعية لقبول كلام الله ونعمة الأسرار المقدسة، في قلب الكنيسة التي هي أم ومعلمة منذ اللحظة الأولى للحياة، وحتى لحظة اللقاء وجهًا لوجه بين الله والانسان. أمّا التحدّي الأكبر فهو رؤية شبابنا والراشدين يفقدون المرجع الأساس لهم، وهو الانجيل والكنيسة كمكان لتمييز خياراتهم، ورؤيتهم للحياة، ولعلاقاتهم بالآخرين. لذا ينبغي التفكير بجدّية، ليس فقط حول اعداد برنامج ملائم للتعليم المسيحي الذي نريده لبلدنا، بل أيضًا حول الطريقة واللغة التي يجب استخدامها مع شباب اليوم.

 

 

 

ثم استمعوا الى كلمة الأمين العام للّجنة الأب كلود ندره الذي عرض الجزء النظري من الشرعة متوسّعًا في شرح الأسس والأهداف والخيارات التربوية في التعليم المسيحي، وفي إشكاليات التعليم المسيحي اليوم مع اقتراحات للمعالجة وآليات للتطبيق، وأخيرًا في نظام ومنهج معاهد إعداد معلّمي التعليم المسيحي في لبنان.

 

 

 

 

ثم توالت ندوات ومناقشات على مدى ثلاثة أيَام متناولة "الجزء التطبيقي من الشرعة وفيه:

 

 

الإطار القانوني للتعليم المسيحي في لبنان والإشكاليات الناتجة عنه،

 

 

الواقع الميداني والإشكاليات الناتجة عنه،

 

 

إشكاليات التعليم المسيحي في المدارس الكاثوليكية والخاصة والرسمية، في إطار التعليم العام والمهني والجامعي،

 

 

التعليم المسيحي للبالغين في الأبرشية والرعية والعائلة وفي السجون، وفي مراكز أصحاب الاحتياجات الخاصة، وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل،

 

 

وأخيرًا الإشكاليات المطروحة على معاهد إعداد معلّمي التعليم المسيحي وعلى اختيار المعلمين.

 

 

 

درس الآباء هذه المواضيع وتداولوا في اقتراحات الحلول المعروضة عليهم واتخذوا بشأنها القرارات والتوصيات المناسبة.

 

 

 

ثمّن الآباء الجهود الكبيرة التي تصرفها إدارات المدارس والجامعات والهيئات والمؤسسات الكنسية والحركات الرسولية والتي يبذلها معلمو ومعلمات التعليم المسيحي من اجل توفير تعليم مسيحي وتنشئة ايمانية للأولاد والشباب والعائلات ولذوي الاحتياجات الخاصة. وهم، اذ يشكرونهم على كل ذلك، يشجعونهم لكي تبقى شعلة الايمان دافعهم إلى خدمة البشارة، فيسعون دائمًا إلى تعميق معرفتهم بالمسيح وإلى صقل مؤهلاتهم الإنسانية واللاهوتية وكفاءاتهم التربوية من اجل خير من يعلمونهم.

 

 

 

 

اطّلع الآباء من أصحاب الغبطة البطاركة وأصحاب السيادة المطارنة الذين شاركوا في الجمعية العادية الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة في روما طوال شهر تشرين الأول المنصرم برئاسة قداسة البابا فرنسيس على المداخلات والمناقشات وشهادات الحياة التي تقدّم بها آباء السينودس والشباب المشاركون.

 

 

 

 

وهم يتبنّون ما جاء في الرسالة التي وجّهها آباء السينودس الى الشبيبة في العالم ليقولوا لهم: "كونوا رفاق الدرب لمن هم أكثر هشاشة وللفقراء والذين تجرحهم الحياة. أنتم الحاضر؛ كونوا أيضًا المستقبل المنير".

 

 

 

 

وإذ يؤكّد الآباء أنهم واثقون من أن الشباب سيكونون مستعدّين للالتزام برغبتهم في الحياة لكي تتجسد أحلامهم في حياتهم وفي التاريخ البشري، وانهم سيصغون اليهم ويرافقونهم ويعملون معهم على تطبيق أهم توصيات السينودس، إنهم يدعون شبيبتهم وشبيبة لبنان الى عيش الرجاء بالمسيح القائم من الموت والتطلّع الى بناء مستقبل لهم في لبنان الوطن الرسالة بتحمّل مسؤولياتهم في قلب الكنيسة وفي المجتمع.

 

 

 

 

وكان لأعضاء المجلس لقاء مميز صباح الأربعاء 14 تشرين الثاني مع وفد من "تجمّع المؤسسات المعنيّة بمساعدة الكنائس الشرقية" (ROACO) برئاسة نيافة الكردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان. وهم في زيارة عمل للبنان بمناسبة الاحتفال بيوبيل خمسين سنة على تأسيس هذا التجمّع للقاء الكنائس والجمعيات والمؤسسات والمراكز التي تعنى بخدمة المحبة وبمساعدة النازحين الى لبنان وللوقوف على أعمالها ودعمها لتشجيع المسيحيين على الثبات في أرضهم ووطنهم.

 

 

 

 

ثانيًا: انتخابات إدارية

 

 

 

أجرى الآباء انتخابات إدارية داخلية، وكانت نتيجتها كالتالي:

 

 

المطران شكرالله نبيل الحاج رئيسًا للجنة الأسقفية "عدالة وسلام".

 

 

المطران حنّا علوان، رئيسًا للجنة الأسقفية للشؤون القانونية والمحاكم الروحية.

 

 

المطران إيلي حداد، رئيسًا للجنة الأسقفية للتعليم العالي والجامعي.

 

 

المطران منير خيرالله، مشرفًا على جمعية كشافة لبنان وجمعية دليلات لبنان.

 

 

المطران متّياس شارل مراد، نائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية ونائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام".

 

 

المطران جورج أسادوريان، نائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية للتعاون الرسالي بين الكنائس.

 

 

الأرشمندريت أنطوان ديب، نائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية لرسالة العلمانيين.

 

 

الأم منى وازن، نائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية للتعليم المسيحي في لبنان.

 

 

الأم ماري أنطوانيت سعادة، نائبًا لرئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة.

 

 

الأب بطرس عازار، أمينًا عامًا للمدارس الكاثوليكية حتى دورة المجلس للعام 2020.

 

 

 

 

 

ثالثًا: الأوضاع الراهنة في لبنان

 

 

سُرَّ الآباء جدًا، مع كل اللبنانيين، في الداخل والخارج، بالمصالحة التاريخية التي جرت أمس الأول في بكركي، برعاية السيّد البطريرك بين النائب والوزير السابق سليمان فرنجية رئيس تيّار المردة، والدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، وبالوثيقة التي صدرت عنهما. وهم، إذ يهنّئون اللبنانيين بطيّ صفحة أليمة من الماضي، يتطلعون الى أن تشمل المصالحة جميع الأطراف اللبنانية، ويصار الى بناء الوحدة الداخلية التي هي المدخل الأساس لاستعادة الثقة المتبادلة بين اللبنانيين، وللخروج من أزماتنا السياسية المتتالية المتسببة بالتراجع الاقتصادي والمعيشي والإنمائي.

 

 

 

 

ويعتبر الآباء أن فقدان الثقة المتبادلة وغياب الوحدة الداخلية وطغيان المصالح الخاصة، بالإضافة الى التدخلات الخارجية، هي السبب لعدم التوصل الى إعلان الحكومة الجديدة بعد أكثر من خمسة أشهر على تسمية الرئيس المكلف وبدء المفاوضات. فمن دون الثقة والوحدة والتجرّد، يظهر المسؤولون السياسيون كأنهم لا يريدون بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية، لأنها تتنافى ومكاسبهم ونفوذهم وزعاماتهم، كما يظهرون غير مبالين بمعاناة الشعب الذي أوكل السلطة العامة اليهم للاعتناء به.

 

 

 

ثم تناول الآباء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردّية، وهي في الأساس من مسؤولية الدولة بمؤسساتها الدستورية، وعلى الأخص الحكومة كسلطة إجرائية. فلا يمكن القبول بعد اليوم بعدم وجودها. وهم يطالبون جميع الأطراف السياسية المعنية تسهيل تأليف الحكومة، اليوم قبل الغد، بالتعالي عن مصالحهم ومواقفهم، رحمةً بالبلاد وبالمواطنين.

 

 

 

أما الكنيسة فتواصل من جهتها بذل ما يلزم من جهود، وتحمّل ما ينبغي من تضحيات أمام حجم الفقر المتزايد عند شعبنا بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وبسبب اتّساع رقعة البطالة، وارتفاع كلفة المعيشة، طعامًا وكسوةً واستشفاء وأدوية وتربية.

 

 

 

أمام هذا الواقع، يؤكد الآباء أنه يبقى من واجب الكنيسة الراعوي الدفاع عن الشعب اللبناني ولاسيّما الفقراء والمظلومين، وإعلان المبادئ الدستورية والديمقراطية والثقافية، التي تنظم العمل السياسي وتنقذه من انحرافاته، ومن أخطاره على الوطن والمواطنين، إذا ما انحرف. لذا تُعنى الكنيسة في مؤسساتها بالتربية على خلق ذهنية جديدة لدى شبابنا وأجيالنا الطالعة. فلبنان قيمة حضارية ثمينة ينبغي الحفاظ عليها وتثميرها. وهو صاحب دور ورسالة في هذه المنطقة بسبب واقعه السياسي والجغرافي. وهو بالتالي عامل استقرار في محيطه، كما يشهد له الجميع.

 

 

 

 

إنّ الجامعة اللبنانيّة، التي أُنشئت لتكون جامعة وطنية بامتياز في خدمة الشريحة الأوسع من شبيبتنا الساعين الى العلم، تشهد اليوم غرقاً في الفئويّة والمذهبيّة الضيّقة قد تصل الى الاستئثار والإقصاء.

 

 

 

 

وعليه يسجّل الآباء بأسفٍ التعدّي على الحريّات العامة في الجامعة، والانقلاب على الميثاقيّة فيها والإخلال بالتوازن الوطني وبالأعراف الأكاديميّة وانتهاك إستقلاليّة الجامعة والتدخّل الفاضح في مساراتها الأكاديميّة. ويدعون المسؤولين في أعلى المستويات الى الإسراع في إنشاء المجمّعات الجامعيّة التي نصّ عليها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 5- 5 - 2008 والتوجّه نحو خيار جامعات لبنانيّة مستقلّة قانونياً، إداريّاً وأكاديميّاً، ينسق بينها مجلس أعلى للتعليم العالي الرسميّ للسهر على وحدة التوجّهات الوطنيّة وعلى المستوى الأكاديميّ.

 

 

 

أعرب الآباء عن ألمهم لاستمرار الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، التي لا زالت تزعزع الاستقرار والسلم وتتسبّب بالخراب والدمار وتهجير المواطنين. فإنهم إذ يجددون إدانتهم العنف بكل أشكاله وتشجيعهم على الحوار البنّاء بين المسؤولين، يدعون أبناءهم المسيحيين الى أن يصمدوا بنعمة الله في رجائهم بإعادة بناء أوطانهم مع اخوتهم المسلمين في تكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية والمسؤولة. ويناشدون المجتمع الدولي والدول المعنية لإيقاف الحرب وإحلال السلام الشامل والعادل والعمل الجدّي على عودة النازحين واللاجئين والمخطوفين والمبعدين الى بلدانهم وبيوتهم وممتلكاتهم. ويؤكدون على المبادئ التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس حول منطقة الشرق الأوسط، وهي:

 

 

 

 

حلول السلام هو شرط لبقاء المسيحيين في أرضهم وأوطانهم،

 

لا شرق أوسط من دون المسيحيين الذين هم عامل توازن واستقرار فيه،

 

واجب الدفاع عن حقوق الأفراد والأقليات تحت سقف المواطنة.

 

 

 

خاتمة

 

 

وفي الختام، يطلب الآباء بركة الله على أبنائهم وبناتهم ليفتحوا قلوبهم للنعمة ويعيشوا المصالحة والالتزام بتحقيق السلام، ويعلنوا رجاءهم بمستقبل أفضل يعملون فيه معًا على تحقيق ملكوت المحبة والعدالة والسلام بشفاعة السيدة العذراء سيدة لبنان وحاميته.

 

 

 وفيما يجري الاستعداد للاحتفال بذكرى الاستقلال الخامسة والسبعين، يأمل الآباء أن يعمل جميع المسؤولين السياسيين على تسهيل إعلان الحكومة العتيدة لتبدأ بورشة الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي التي باتت أكثر من ملحّة؛ ويقدمونها بذلك هدية الى كل اللبنانيين في عيد الاستقلال.

 

 

موقع بكركي.