الجلوس على العرش أم شرب الكأس؟ «متفرقات

 

 

 

الجلوس على العرش أم شرب الكأس؟

 

 

 

 

أليس الصّراع على السّلطة في غالب الأحيان هو أساس التوترات في عالمنا ومجتمعنا، وسبب كثير من النزاعات المسلّحة وغلبة فريق على آخر؟ من هو المستعدّ للخدمة عندما يصل إلى الحكم؟ من المستعدّ، عندما يستلم السّلطة، أن يتخلّى عنها لآخرٍ يستطيع أن يخدم الوطن أو الأمّة أكثر منه؟

 

لقد لعب الصّراع على السّلطة دورًا حتّى بين تلاميذ المسيح، كما نرى في إنجيل (مرقس 10: 35-45). نحن نعرف ابنيّ زبدة، يوحنّا ويعقوب، اللذين لقّبهما يسوع بأبناء الرّعد. فقد رافقا المعلّم إلى منزل يائيرس (مر 5: 37)، وفي مشهد التجلّي (مر 9: 2)، ليكونا معه عندما كان يصلّي في "جتسماني" (مر 14: 33)؛ لكنّهما لم يكونا حَمَلَين وديعَين.

 

ما كاد يسوع يعلن كيف سيُرفَض ويتألّم (مر 10: 32-34) حتى أتيا يطلبان أن يعطيهما السّلطة، كما لو أنّهما لم يسمعا أو يفهما شيئًا ممّا قاله المعلّم للتوّ: "اِمنَحْنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عن يَمينِك، والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِكَ" (مر 10: 37).

 

لقد تمّ طرح مسألة توزيع العروش بعدما أجاب يسوع عن سؤال بطرس: "ها قد تَركْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناكَ، فماذا يكون نصيبنا؟" (متى 19: 28؛ مر 10: 28) "تَجلِسونَ أَنتم أَيضاً على اثنَي عَشَرَ عَرْشاً، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاثَنيْ عَشَر" (متى 19: 28).

 

يمكننا أن نتصوّر يسوع مصابًا بخيبة أمل شديدة أمام طلب هاتين الدّعامتين. ويجيبهما أيضًا: "إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تَسألان" (مر 10: 38). هل يعني أن تكون تلميذًا لي الجلوس على عرشٍ أم يعني شرب الكأس؟ هل أنتما قادران على التضامن معي في آلاميّ ومساعدتي على حمل الصّليب؟

 

ويجاوبان كما لو كانا في حالة من فقدان الوعي: "نقدر" (مر 10: 39)، بدون أيّة مشكلة! في حين أنّ المعلّم نفسه سيطلب من أبيه عندما كان يصلّي في جتسيماني: "يا أَبتِ، إِن شِئْتَ فَاصرِفْ عَنِّي هذِه الكَأس… ولكِن لا مَشيئَتي، بل مَشيئَتُكَ!" (لو 22: 42).

 

إذًا حصل صراع على السّلطة حتّى بين الرّسل؛ لأنّ العشرة الآخرين استاؤوا من طلب الطموحَين (مر 10: 41). كنّا نأمل أن يستاؤوا دفاعًا عن وجهة نظر يسوع وأن يشرحوا لرفيقيهم أنّه من أراد أن يكون تلميذًا للمسيح يعني: أن يكون جاهزًا للخدمة حتى التضحية، حتى الصّليب... كما تنبّأ أشعيا: "بِسَبَبِ عَناءَ نَفْسِه يُبَرِّرُ عَبْديَ البارُّ الكَثيرين" (أشعيا 53: 11).

 

ولكنّ لا، استاؤوا وهم يردّدون: إن كنت أنت يا يوحنّا وأخاك ستجلسان على العرش عن يمين المعلّم ويساره، أين سنجلس نحن؟ أتعجّب من طول بال يسوع. لقد اقترب وقت تسليمه وها هم حتّى الآن على هذا المستوى من الفهم.

 

يجب ألّا نكون كحكّام هذا العالم متمسّكين بالسلطة؛ "مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيراً فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِماً. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَلْيَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْداً" (مر 10: 43-44). إنّ الذي ينطق هذه الكلمات لا بدّ له من أن يجثو أمام تلاميذه ويغسل أرجلهم؛ سيُنبذ ويُحاكم حبًا بإخوته. سيكون الصّليب عرشه. يحوّلنا ملكنا بين المغارة والصّليب.

 

لنجدّد استعدادنا لخدمة المسيح وإنجيله ولإعطاء شهادة في التواضع في مجتمع موبوء بالبحث عن السّلطة.

 

لنكن، تلاميذ فعليّين ليسوع الذي لم يأتِ ليخدمه الناس ولكن ليخدم وليفدي بحياته كثيرًا منهم (مر10: 45).

 

 

الأب هانس بوتمان اليسوعي.