الصوم هو زمن توبة وصلاة ومسامحة وتكفير «متفرقات

 

 

 

 

 

الصوم هو زمن توبة وصلاة ومسامحة وتكفير

 

 

 

 

خلال زمن الصّوم يستعدّ الإنسان المؤمن ليحيا زمنًا روحيًا يعود فيه إلى نفسه أوّلاً ليقوم بفحص ضميره فحصًا دقيقًا، على ما يعيشه من أوضاع وتصرّفات.

 

فيُثني على ما يصدر عنه من أعمال تقوى وخير وصلاح، ويأخذ قرارات بإكمالِها وزيادتها والتقدّم بها نحو الكمال. وينتبه إلى ما يصدر عنه من أخطاء وإهمال وفتور، فيتركها ويبتعد عن كلّ ما يسبّبها. ويعوّض عنها بالصّوم والصّلاة وممارسة التقشّف. فالصّوم دعوة إلى:  

 

 

1. فحـص الضمـير

 

في الصّوم يعود المؤمن إلى ربّه، ليقوم بفحص ضميره على علاقاته به وعلى إتمام ما تتطلّب منه واجباته تجاه سيّده وخالقه وربّه. وعلى ممارسته الإيمان والمحبّة كما يجب. ولا يكتفي المؤمن بممارسة الشريعة وإيفاء ما توجبه وتفرضه عليه من أعمال وممارسات تبقى خارجيّة وظاهريّة دون أن تدخل إلى أعماق نفسه وقلبه وتغيّره تغيّرًا جذريًّا على مثال الفرّيسي الذي انتصب قائمًا يصلّي فيقول في نفسه: "أللّهم شكرًا لك لأنّي لست كسائر الناس السرّاقين الفاسقين، ولا مثل هذا العشّار: إنّي أصوم مرّتين في الأسبوع، وأؤدِّي عُشر كلّ ما أقتني" (لوقا 11:18-12). 

 

2. مسامحة ومغفرة

 

وعلى غرار ذلك الأخ الأكبر الذي رفض مسامحة أخيه الأصغر، وأبى الدخول إلى البيت الأبويّ لأنَّ أخاه عاد... "كان ميّتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجد" (لوقا 24:15).

 

فما هو الأفضل وما هو المقبول في نظر الله؟ وهل الإكتفاء بالصّوم والصّلاة حسب أوقاتهما، أم التكبُّر واحتقار وإهانة الآخر؟

 

وما نفع الصّوم والصَّلاة إذا لم نُطهِّر قلوبنا ونتواضع ونحبّ ونخدم؟

 

فما هو المقبول في نظر الرّبّ؟  هل هو الاكتفاء بالطاعة الخارجيّة أم تغيير القلب بالتوبة والمسامحة؟ وكيف نجرؤ على الإعتراف بخطايانا وطلب المسامحة عنها من الرّبّ، ونحن لا نغفر لبعضنا البعض؟ "فإن لم تغفروا للناس زلّاتكم لا يغفر أبوكم السماويّ زلّاتكم" (متى 15:6). 

   

فالصّوم هو زمن توبة وصلاة ومسامحة وتكفير، لذا نلاحظ في هذه الأيّام أنّ الكثيرين يكتفون بالمظاهر الخارجيّة، ويقومون بإتمام العادات والتقاليد ظاهريًّا – (التي هي في أساسها وفي انطلاقتها تعبير عن الإيمان والمحبّة) – دون أن يغوصوا في العمق ويفهموا الجوهر، فنراهم يكتفون بالامتناع عن الطعام والشراب ولكنّهم يطلقون العنان لألسنتهم بالتجديف والشتم والكذب والنميمة واللعنات واستباحة كلّ شيء، متناسين أن: "ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجّس الإنسان" (متى 10:15).

 

 

 

3. مصالحة وغفران

 

ألصّوم عربون غفران ومصالحة مع ذواتنا والقريب والعالم ومع الله. والمصالحة وصيّة أخذناها من يسوع "فإن تغفروا للناس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السّماويّ" (متى 14:6)، ويعلّمنا القدّيس بولس قائلاً: "وأنتم الذين اختارهم الله فقدّسهم وأحبّهم، إلبسوا عواطف الحنان واللطف والتواضع والوداعة والصبر. احتملوا بعضكم بعضًا، واصفحوا بعضكم عن بعض إذا كانت لأحد شكوى من الآخر. فكما صفح عنكم الرّبّ، اصفحوا أنتم أيضًا. والبسوا فوق ذلك كلّه ثوب المحبّة فإنّها رباط الكمال. وليسُدْ قلوبكم سلام المسيح، ذاك السّلام الذى دُعيتم لتصيروا جسدًا واحدًا، وكونوا شاكرين" (قولسي 12:3-15). 

 

فكلّ مسيحيّ مدعو إلى أن يكون شريكًا في خدمة المصالحة والعمل على إتمامها. فكأنّ الله يتوجّه بدعوته إلى العالم من خلال كلّ واحد منّا. لذلك لا يسَعنا وقد برّرنا الله وصالحنا مع نفسه وبعضنا البعض أن نقف متفرّجين ننتظر ما تحدثه محاولات المصالحة القائمة، بل يجب علينا أن ننطلق في مسيرة تجدّد نعمل على الحدِّ من آلام الناس الناتجة من الظلم ومآسي الحروب والفقر.

 

كيف يمكننا أن نتصالح وننفتح على المعرفة والحقّ والحواجز بين بعضنا ما زالت قائمة والحوار مفقود؟ كيف يمكننا أن نتصالح ونحن فضّلنا الظلام على النور لأنّ أعمالنا سيّئة ولا نريد أن تنفضح، كما يعلّمنا يوحنّا الإنجيليّ قائلاً: "فكلّ مّن يعمل السيئات يُبغضُ النور فلا يُقبِلُ إلى النّور لئلاّ تُفتضح أعماله. وأمّا الذي يعمل للحقّ فيُقبِلُ إلى النور لتُظْهرَ أعماله وقد صُنِعت في الله" (يوحنا 20:3-21)، ذاكرين أيضًا قول القدّيس بولس: "مهما تفعلوا فافعلوه بنفس طيّبة كأنّه للرّب لا للناس، عالمين أنّ الرّبّ سَيجْذيكم بميراثه، فللرّبّ المسيح تعملون" (قولسي 23:3-24).

 

كيف يمكننا أن نصوم ونتصالح وفي أكثر الأحيان نقف متفرّجين وآلاف الأطفال والشباب والمسنّين يعانون الأمراض من جرّاء نزاعات اجتماعيّة وسياسيّة وعرقيّة ودينيّة، وهم فريسة الحروب والمخدّرات والعنف والجرائم على أنواعها؟...

 

إنّ هذه التحدّيات التى نواجهها في كلّ بلد ومنطقة من العالم تظهر لنا أهميّة خدمة المصالحة التي علينا أن نمارسها بنعمة الله وعونه، وبوعي عميق لمسؤولياتنا المسيحيّة الفرديّة والجماعيّة، في الزمان والمكان حيث نحن قائمون وهذا من تعاليم ورسالة الكنيسة وعملها في الحقلين الرّوحي والإجتماعيّ.

 

إنّ السعي نحو المصالحة ما هو إلاّ تحقيق لإرادة يسوع. ونحن مدعوّون إلى الرّجاء لأنّ الرّوح القدس يريدنا جماعة واحدة، ولأنّ المصالحة بين بعضنا هي من عمل الرّوح القدس الذي يعمل فينا.

 

في زمن الصّوم يدعونا الرّبّ إلى أن نعود إليه نادمين، مستغفرين، مكفّرين عن خطايانا لنعيش إيماننا بطريقة حيّة وواعية. لا أن نكتفي بعادات خارجية تفقد معناها إن لم تكن تعبيرًا صادقًا عن إيماننا بالله ومحبّتنا بالقريب. وهو يدعونا أن نفعل هذا ولا نترك ذاك، أي إتمام أهمّ ما في الشّريعة وهو: العدل والرّحمة والأمانة والإخلاص (متى 23:23)، هكذا يكون صومنا زمنًا مقبولاً يرضي الله ويُثمر ثمرًا يدلّ على توبتنا. "لأنّ من الشجرة يأتي الثمر الطيّب، فمن الثمرة تُعرَف الشجرة" (متى 33:12)، وها هي أعمالنا تدلّ علينا.

 

 

 

 

 

موقع أبونا.