القديس يوسف شفيع العمال «متفرقات

 

 

إلتقى قداسة البابا فرنسيس في القصر الرَّسوليّ مسؤولي وموظفي جريدة أفينيري التابعة لمجلس أساقفة إيطاليا وعائلاتهم، وفي حديثه إليهم قال إنّه يحيّي فيهم جميع العلمانيِّين العاملين في قطاع هام مثل قطاع الاتّصالات. ثمَّ أعرب الأب الأقدس عن سعادته لهذه اللّحظة المشتركة مع مسؤولي الجريدة والعاملين فيها وخاصّة في هذا اليوم، يوم القدِّيس يوسف شفيع العمَّال، وتوقف للتأمل في هذه الشّخصيَّة والتي وحسب ما تابع قداسته يَسهل أن نحبَّه وأن نوكل أنفسنا إلى شفاعته، ولكن ولكي نصبح بالفعل أصدقاءه يجب السَّير على خطاه والتي تعكس أسلوب الله.

 

وتحدّث البابا أوَّلاً عن كون يوسف رجل الصمت والذي قد يبدو للوهلة الأولى نقيضًا لمن يعمل في مجال الإتصالات، بينما في الواقع فإنّه بإطفاء ضجيج العالم وأيضًا ثرثرتنا يصبح الإصغاء ممكنا، الإصغاء الذي هو الشّرط الأول لأي تواصل. إنَّ صمت يوسف صمتٌ يسكنه صوت الله، صمتٌّ يخلق تلك الطاعة التي تقود إلى ترتيب الحياة بشكل يدع مشيئة الله تقودها. وليس من الصدفة بالتالي أن يكون يوسف قادرًا على القيام في اللّيل لا يردعه ثقل المصاعب، قادرًا على السير في ظلام بعض اللحظات التي لا يفهمها بشكل كامل، لكنّه قوي بفضل دعوةٍ تضعه أمام السِّرِّ الذي يقبل إشراكه فيه ويسلِّم له نفسه بدون تردُّد.

 

 

 يوسف هو الشّخص الصَّحيح القادر على تسليم الذات لحلم الله حاملاً وعوده، إنَّه حارس متواضع وحنون، يعرف كيف يعتني بالأشخاص وبالأوضاع التي أوكلتها الحياة إلى مسؤوليته. إنَّه أيضًا المربِّي الذي، وبدون أن يطلب شيئًا لنفسه، يصبح أبًا بفضل قدرته على المرافقة وإنماء الحياة ونقل العمل.

 

ثمَّ توقف قداسة البابا عند هذه الكلمة، العمل، مشيرًا إلى ارتباطها بالعيد الذي نحتفل به اليوم، فتحدَّث عن ارتباط كرامة الشَّخص بالعمل بشكلٍ وثيق، وأكَّد أنَّ الكرامة لا ترتبط بالمال أو الشهرة أو السلطة، بل بالعمل الذي يُمَكِّن كلَّ شخص، وحسب ما يقول البابا الفخريّ بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "المحبَّة في الحقيقة"، من أن يخلق مشروعًا هو فعل شخصيّ، مشروعًا يظلُّ فيه الشخص وعائلته أكثر أهميَّة من كفاءة المشروع في حدِّ ذاتها كهدف.

 

 

وواصل قداسة البابا فرنسيس حديثه متوقفًا عند أدوات العمل التي يستخدمها العاملون في الجريدة، فقال إنّها أدوات تكنولوجيَّة غيّرت بشكلٍ عميق المهنة، بل وحتى أسلوب التفكير والتواصل والعلاقات. وتابع قداسته أنَّ الثقافة الرقميَّة استدعت منهم إعادة تنظيم العمل بتعاون أكبر وبتنسيق مع وسائل الإتصالات الأخرى لمجلس أساقفة إيطاليا مثل وكالة سير للأنباء وتلفزة tv2000، وشبكة إن بلو الإذاعيَّة.

 

 

وقال البابا إنَّ الشيء ذاته يحدث في قطاع الاتِّصالات في الكرسيّ الرَّسوليّ، وأكَّد أنَّ التفاعل المشترك الذي توفره المنصة الرقميَّة يجب أن يسهِّل ويعزِّز التكامل والإدارة المشتركة والتنسيق، وهذا التحول يتطلّب مسيرة تكوين وتحديث. وأضاف الحبر الأعظم مُشيرًا إلى أن التشبث بالماضي قد يسبب مشاكل، مذكِّرًا بما جاء في الوثيقة المجمعيَّة الدستور الرَّاعويّ في الكنيسة في عالم اليوم "فرح ورجاء"، الذي يؤكِّد أهميَّة تمييز علامات الأزمنة.

 

 

تحدَّث البابا فرنسيس بعد ذلك عن التغيرات التي يحدثها التطور التكنولوجي فيما يتعلّق بوسائل الاتّصالات والحصول على المعلومات والمعرفة، وقال إنّ الكنيسة تشعر بأنَّ صوتها لا يُمكن أن يغيب في هذا المشهد وذلك كي تكون أمينة لرسالتها ودعوتها إلى إعلان إنجيل الرَّحمة.

 

وشدَّد قداسته على أنَّ وسائل الاتِّصالات توفّر لنا إمكانيَّة كبيرة للإسهام، من خلال خدمتنا الرَّعويَّة، في ثقافة اللّقاء. وللقيام بهذا، فلنَعد إلى يوسف النجَّار وعمله، إلى اتِّصالاته والتي محورها الحقيقة والجمال والخير العام، وأشار بالتالي، وشأن ما ذكر في الرسالة بمناسبة اليوم العالمي الـ 48 للاتصالات الاجتماعيّة، إلى أنَّ سرعة الإعلام تفوق قدرتنا على التأمُّل والتقييم.

 

وأضاف البابا أنَّنا في الكنيسة أيضًا معرَّضون إلى تأثير ثقافة التعجل والسطحيَّة، حيث الأهميَّة لا للخبرة بل لما هو فوريّ وما يمكن استهلاكه على الفور، وبدلاً من التعمّق هناك خطر ما وصفها قداسته برعويَّة التصفيق وخطر تجانس الفكر وتخبط الأفكار التي لا تلتقي. أمّا يوسف النجَّار فيدعونا إلى العودة إلى البطء الصحيّ والهدوء والصبر، ويذكِّرنا بصمته أنَّ كلَّ شيء يبدأ بالإصغاء والانفتاح على كلمة الآخر وتاريخه.

 

 الصَّمت يفرض أمرين، الأوَّل هو ألَّا نفقد الجذور الثقافيَّة أو ندعها تتدهور، والطريق إلى هذا هو أن نكون دائمًا في الرّبّ يسوع وصولاً إلى أن نتحلّى بتواضعه وعطفه، مجانيته وشفقته. الأمر الثاني هو كنيسة تعيش بالتأمّل في وجه المسيح، ولا تجد صعوبة في التعرُّف عليه في وجه الإنسان، وتجعل هذا الوجه يسائلها. ثمّ شدَّد الحبر الأعظم على أهميَّة الحوار الذي ينتصر على الشَّك ويهزم الخوف، يُشرِك، ويقيم علاقات وينمي ثقافة تبادليَّة.

 

 

 

وتابع البابا فرنسيس حديثه إلى مسؤولي وموظفي جريدة أفينيري داعيًا إيّاهم إلى ألَّا يكلُّوا عن البحث بتواضع عن الحقيقة بدءًا من العلاقة اليوميَّة مع بشرى الإنجيل السَّارة، ولتكن هذه سياسة التحرير للجريدة إلى جانب التكامل الشخصيّ، وهكذا سيكون هناك النّور الضَّروريّ للتمييز، والكلمات الحقيقيّة للمس الواقع وتسميته باسمه وتجنُّب تحويله إلى مجرَّد صورة كاريكاتوريَّة.

 

وواصل قداسة البابا دعوته حاثـًّا على الإصغاء والتعمُّق والمناقشة، محذِّرًا من خطر اعتقاد الشَّخص بأنَّه قد فهم كلَّ شيء، وطالب الجميع أيضًا بالمساهمة في تجاوز المواجهات العقيمة والضَّارة وبأن يكونوا بعملهم رفاق درب لجميع مَن يعملون من أجل العدالة والسَّلام.

 

وعاد قداسته إلى القدِّيس يوسف الذي لا يفقد قدرته على الحلم، وحلم يوسف، هو رؤية، شَجاعة وطاعة تحرّك القلب والأرجل،  هذا القدِّيس هو أيقونة شعبنا المؤمن الذي يرى في الله المرجع الذي يعانق الحياة بكاملها. وهذا الإيمان يؤثّر في الأعمال ويقود إلى عادات جيِّدة، هو نظرة ترافق المسيرات وتحوِّل المشاكل إلى فرص، تُحسِّن وتبني مدينة الإنسان.

 

وأعرب قداسته للحضور عن الرَّجاء في أن ينجحوا في الحفاظ على هذه النظرة ويجعلوها أكثر حدَّة، وأن يتغلّبوا على تجربة عدم الرؤية أو الابتعاد أو الاستبعاد. حذّر قداسته من جهَّة أخرى من التمييز والتفرقة ومن الاكتفاء بما يراه الجميع، كما طلب ألا يملي أحد عليهم ما يجب أن يعملوه باستثناء الفقراء والآخِرين والمتألمين، ودعا العاملين في الجريدة إلى ألّا ينضموا إلى قافلة مَن يروون فقط ذلك الجزء من الواقع الذي تضيئه أضواء العالم، بل إلى أن ينطلقوا من الضواحي واعين بأنّها ليست نهاية المدينة، بل هي بدايتها.

 

 

هذا وذكّر قداسة البابا بعد ذلك بدعوة البابا الطوباوي بولس السَّادس الصحفيِّين الكاثوليك، في حديثه إلى العاملين في مجال الاتِّصالات الاجتماعيَّة عام 1971، كي لا يقدِّموا الأنباء المثيرة أو تلك التي تصنع الزبائن، وذلك لأنَّ علينا عمل الخير لمن يستمع إلينا، علينا تربيتهم على التفكير والتقييم.

 

شجَّع البابا فرنسيس بعد ذلك الجميع على ألّا توقفهم المصاعب، مذكِّرا بأنَّ الصِّعاب لم تكبح عزم البابا بولس السَّادس 50 سنة مضت على تأسيس صحيفة يوميَّة كاثوليكيَّة على الصَّعيد الوطنيّ. وواصل قداسة البابا مذكِّرًا بالقدِّيس يوسف الحارس والذي جعله استعداده للعناية بالآخرين أبًا حقيقيًا، وأضاف أنَّ هذا القدِّيس يدعونا إلى دعم كنيسة لا تقبل تقليص الإيمان إلى قضيَّة شخصيَّة، ولا تستسلم أمام النسبيَّة الأخلاقيَّة.

 

 

ثمَّ رجا قداسته أن يتمكّن العاملون في الجريدة من أن يكونوا تعبيرًا عن كنيسة لا تنظر إلى الواقع من الخارج أو من الأعلى، بل تنزل إلى داخله لتسكنه، ودعاهم إلى الاقتراب من الأشخاص باحترام مذكِّرًا بأنَّ لا شيء يضاهي الرَّحمة في خلق القرب وتشجيع اللقاء. وأشار قداسته أيضًا إلى أهميَّة المساهمة في حمل توجيهات العقيدة الاجتماعيَّة للكنيسة إلى العالم الاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ.

 

 

وفي ختام كلمته إلى مسؤولي وموظفي جريدة أفينيري التابعة لمجلس أساقفة إيطاليا تحدَّث قداسة البابا فرنسيس، وانطلاقًا من كلمات الطوباويّ بولس السادس، عن ضرورة حُبِّ ما نعمل، ثمّ طلب من الجميع الصَّلاة من أجله.

 

 

إذاعة الفاتيكان