الكآبة الروحيّة «متفرقات

 

 

 

الكآبة الروحيّة

 

 

"ماذا يحصل في قلوبنا عندما تسيطر علينا الكآبة الروحيّة؟"

 

هذا هو السؤال الذي طرحه قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان والتي تمحورت حول صورة أيوب؛ وقد سلّط البابا الضوء في عظته على أهميّة الصّمت والصّلاة للتغلّب على الأوقات المُظلمة. وبمناسبة عيد القدّيس منصور دي بول قدّم الأب الأقدس الذبيحة الإلهيّة على نيّة الرّاهبات بنات المحبّة التي أسَّسهنَّ القدّيس منصور دي بول واللواتي تخدمن في بيت القدّيسة مرتا.

 

قال الحبر الأعظم: "كان أيوب في حالة كآبة وغمٍّ لأنّه كان قد خسر كلّ شيء"، استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من سفر أيوب (3/ 1- 23) والتي تقدّم لنا أيوب وقد حُرم من كلّ ما لديه حتى من أبنائه، ويشعر بأنّه ضائع ولكنّه لم يلعن الله؛ هو يعيش كآبة روحيّة ويعبّر عمّا يخالجه أمام الله، إنّه انفتاح ابن أمام أبيه، وهكذا كان أيضًا تصرّف النبّي إرميا الذي عبّر عن مخاوفه وحزنه أمام الله ولم يلعن أبدًا.

 

 الكآبة الروحيّة هي حالة نختبرها ونعيشها جميعًا: هناك من يعيشها بشكلٍ قويّ ومن يعيشها بشكلٍ أقل قوّة... ولكنها، وفي كلتي الحالتين، تُشكّل حالة مظلمة تعيشها النفس بدون رجاء وثقة وبدون أي رغبة في الحياة أو رؤية للمستقبل وبقلق كبير في القلب والأفكار... تجعلنا الكآبة الروحيّة نشعر بأنّ روحنا ينسحق فلا نقدر ولا نرغب حتى بالحياة، فنفضل الموت على الحياة... وهذا هو أيضًا حال أيوب الذي يفضّل الموت على عيشة كهذه. إنّها حالة قد اختبرناها جميعًا وعندما تكون نفسنا في حالة الحزن هذه ينقصنا عندها حتى الهواء لنتنفّس... إنّه شعور قويّ وينبغي علينا أن نفهم ماذا يحصل في قلوبنا في حالات الحزن الشّديد هذه.

 

أضاف الأب الأقدس يقول هذا هو السؤال الذي يمكننا أن نطرحه على أنفسنا: ماذا ينبغي علي أن أفعل عندما أعيش هذه الحالات المظلمة بسبب مأساة في العائلة أو بسبب مرض ما أو ما يحبط عزيمتي... هناك من يأخذ دواء ليساعده على النوم والابتعاد عن الأحداث، وهناك من يلجأ إلى الكحول... ولكن هذا الأمر لا يفيد في كلتي الحالتين. وبالتالي تعطينا الليتورجيّة اليوم الطريقة للتعاطي مع حالة الكآبة الروحيّة هذه أو عندما نكون فاترين وبدون رجاء.

 

 نجد الجواب في المزمور (87/ 2 - 8): "يا إلهي ليصل إِلى حَضرَتِكَ دُعائي" أي ينبغي علينا أن نصلّي وبحرارة وقوّة على مثال أيوب الذي كان يصرخ نهارًا وليلاً لكي يُميل الربّ أذنيه إليه. إنّها الصلاة التي تقرع على الباب وإنّما بقوّة! كمن يقول: "يا ربّ، لقد شبعت نفسي من البلايا، حَياتي مِن هاوِيَةِ ٱلمَنايا، حُسِبتُ مَعَ ٱلمُنحَدِرينَ إِلى ٱلهُوَّة وَأَصبَحتُ مِثلَ رَجُلٍ بِلا قُوَّة"؛ كم من مرّة يكون هذا هو شعورنا... ونكون بلا قوى... وهذه هي الصّلاة التي يجب علينا أن نرفعها والتي يعلّمنا الربّ أن نصليها عند الصعوبات: "يا ربّ ألقَيتَني في قَعرِ ٱلهاوِيَة في ٱلظُّلُماتِ وَظِلالِ ٱلمَنِيَّة، إِشتَدَّت عَلَيَّ وَطأَةُ غَضَبِكَ وَغَمَرتَني بِجَميعِ أَمواجِ سُخطِكَ، لتصل إليك صلاتي" هذه هي الصّلاة التي يجب أن نرفعها إلى الله في أوقاتنا الصعبة والمظلمة وفي لحظات الكآبة التي تسحقنا. هذه هي الصّلاة الأصيلة وهي أيضًا نوع من التعبير عما يُخالجنا على مثال أيوب، كالأبناء.

 

 يحدّثنا سفر أيوب من ثمّ عن صمت أصدقاء أيوب إزاء هذا الشّخص المتألّم لأنّ الكلام في حالة كهذه سيزيد من ألمه ويؤذيه وحسب، أمّا ما يفيد فقط فهو أن يشعر هذا الشخص بقربنا منه، عندما نكون إزاء شخص يتألم أو أمام شخص يعيش حالة كآبة روحيّة ينبغي علينا أن نبقى قدر المستطاع بصمت ونجعل الآخر يشعر بقربنا منه بدون خطابات طويلة وإكثار في الكلام، فنساعده بقربنا وبحنان صلاتنا التي نرفعها من أجله إلى الله.

 

 ينبغي علينا أن نكتشف في داخلنا أولاً أوقات الكآبة الروحيّة هذه عندما نكون بدون رجاء وأن نسأل أنفسنا عن الأسباب؛ ثانيًا ينبغي علينا أن نرفع صلاتنا إلى الربّ كما تعلّمنا الليتورجيّة اليوم من خلال المزمور السّابع والثمانين الذي يعلّمنا أن نصلّي قائلين: "يا إلهي ليصل إِلى حَضرَتِكَ دُعائي"؛ وثالثًا عندما أقترب من شخص يتألّم بسبب المرض أو لسبب آخر ويعيش بحالة كآبة ينبغي علي أن أقترب منه بصمت ومحبّة كبيرة، ولا أقدّم له خطابات طويلة لا تساعده بل تؤذيه أكثر وحسب.

 

 لنرفع صلاتنا إلى الربّ لكي يعطينا هذه النعم الثلاثة نعمة اكتشاف الكآبة الروحيّة، ونعمة الصلاة عندما نعيش حالة الكآبة هذه، ونعمة أن نعرف كيف نرافق الأشخاص الذين يتألمون أو يعانون من الكآبة الروحيّة.

 

 

إذاعة الفاتيكان.