المغفرة تجدّد وتصنع العجائب «متفرقات

 

 

 

عصر الخميس ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في مركز المعارض "Palexpo" في جينيف مختتمًا هكذا حجّه المسكوني بمناسبة الذكرى السبعين على تأسيس المجلس المسكوني للكنائس، وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها

 

 

أب، خبز ومغفرة. ثلاثة كلمات يعطينا إياها إنجيل اليوم. ثلاثة كلمات تحملنا إلى جوهر الإيمان.

 

 

 "أيها الآب"؛ هكذا تبدأ الصلاة. يمكنها أن تتابع بكلمات مختلفة ولكن لا يمكنها أن تنسى الكلمة الأولى، لأن كلمة "أب" هي مفتاح الدخول إلى قلب الله؛ لأنّه بمجرّد قولنا "أيها الآب" نحن نصلّي بلغتنا المسيحيّة لا لإله عموميٍّ وإنما لإله هو أب قبل كل شيء. ويسوع في الواقع قد طلب منا أن نقول "أبانا الذي في السماوات" لا "يا إله السماوات الذي أنت أب" لأنه قبل أن يكون أزليًّا، الله هو أب.

 

 

 

منه تنبعث كل أبوّة وأمومة، وفيه أصل الخير كله أصل حياتنا نفسها. وبالتالي فكلمة "أبانا" هي صيغة الحياة والصيغة التي تظهر هويتنا بأننا أبناء محبوبين. إنها صلاة ال "نحن"، صلاة الكنيسة، صلاة موجّهة بأكملها إلى الله وتُصرّف في صيغة الجمع، "أبانا" كلمة تقدّم لنا إرشادات السير في الحياة الروحيّة.

 

 

إنَّ "صلاة الأبانا" تقوّي جذورنا. بوجود الآب لا يتعرّض أحد للتهميش ولا يتغلب علينا الخوف والشك. تعود مجدّدًا ذكرى الخير لأننا في قلب الآب أبناء محبوبون. فلا نتعبنَّ اذًا من قول "أبانا"، لأن هذا الأمر سيذكّرنا أنّه لا وجود لابن بدو أب وبالتالي ما من أحد منا وحده في هذا العالم؛ لكنّه يذكرنا أيضًا أنه لا يوجد أب بدون أبناء وأن لا أحد منا هو ابن وحيد وانما على كل منّا أن يعتني بالإخوة في العائلة البشريّة الواحدة. بقولنا "أبانا" نؤكِّد أنّ كل كائن بشريٍّ ينتمي الينا وازاء الكثير من الخبث الذي يسيء إلى وجه الآب نحن أبناؤه مدعوون لنتصرّف كإخوة وكحراس صالحين لعائلتنا ولكي تزول كل لامبالاة تجاه الإخوة.

 

 

 خبز. يقول لنا يسوع أن نطلب خبزنا اليومي من الآب؛ اذ لسنا بحاجة لأن نطلب أكثر: وحده الخبز يكفي، أي الأساسيّ للحياة. الخبز هو قبل كلِّ شيء الغذاء الكافي اليوم من أجل صحّة وعمل اليوم. أن نطلب الخبز اليومي هو أن وقول أيضًا: "ساعدني أيها الآب لأعيش حياة بسيطة"، لقد أصبحت الحياة معقّدة جدًّا: نركض من الصباح إلى المساء غير قادرين على التوقّف أمام الوجوه، غارقين في تعقيد يجعلنا هشّين وبسرعة تولّد الاضطراب. وبالتالي يُرض علينا خيار حياة متّزنة وحرّة؛ خيار التخلّي عن أمور كثيرة تملأ الحياة ولكنّها تفرغ القلب. لنختَر بساطة الخبز لكي نستعيد شجاعة الصمت والصلاة خميرة حياة بشريّة حقًّا. لنختر الأشخاص لا الأشياء لكي تتخمّر علاقات شخصيّة لا افتراضيّة.

 

 

 

 لا ننسينَّ أيضًا أنّ "الخبز اليومي" هو يسوع وبدونه لا يمكننا أن نفعل شيئًا. إنه الغذاء الأساسيّ لكي نحيا جيّدًا. ولكننا غالبًا ما نحوّل يسوع إلى طبق جانبي ولكن إن لم يكن هو غذاء حياتنا ومحور نهارنا ونفسنا اليومي فكلُّ شيء بلا فائدة.

 

 

 

 مغفرة. من الصعب أن نغفر ونحمل على الدوام في داخلنا القليل من التحسُّر، وعندما يستفزنا الشخص الذي سامحناه، تعود النقمة بشكل أقوى. لكن الرب يطلب منا مغفرتنا كعطيّة وهذا الأمر يجعلنا نفكّر أن تعليق يسوع حول "صلاة الأبانا" مُركَّزٌ في جملة واحدة: "فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغفِر لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم" (متى ٦، ١٤- ١٥). فالله يحرّر قلبنا من كلّ خطيئة ويغفر كل شيء ولكنه يطلب أمرًا واحدًا: ألا نتعب من المغفرة نحن أيضًا.

 

 

 

إن المغفرة تجدّد وتصنع العجائب. لقد اختبر بطرس مغفرة يسوع وأصبح راعٍ لقطيعه؛ شاول أصبح بولس بعد المغفرة التي نالها من اسطفانوس؛ كلُّ فرد منا يولد مجدّدًا كخليقة جديدة عندما يغفر له الآب ويحب الإخوة. عندها فقط يمكننا أن نبعث في العالم حداثة حقيقيّة لأنّه ما من حداثة أكبر من المغفرة التي تبدّل الشر إلى خير. وهذا ما نراه في التاريخ المسيحي.

 

 

كم فاتنا ولا تزال تفيدنا مغفرتنا لبعضنا البعض وإعادة اكتشافنا لبعضنا البعض كإخوة بعد عصور من الخصومات. إن الآب يفرح عندما نحبُّ بعضنا البعض ونغفر لبعضنا البعض من قلبنا، وعندها يعطينا روحه. لنطلب هذه النعمة: ألا نختبئ في قساوتنا وندّعي دائمًا من الآخرين بل أن نقوم بالخطوة الأولى في الصلاة واللقاء الأخوي في المحبّة الملموسة فنصبح هكذا أكثر شبهًا بالآب الذي يحب بدون مقابل وهو سيفيض علينا روح الوحدة.

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.