النضوج الروحي «متفرقات




النضوج الروحي



إن الخطيئة لها مفعول تغييري، فهي تغيّر في الإنسان سواء أكان


منتجاً للخطيئة أو مستهلكاً أو متاجراً


منتجاً: هو الذي يفعلها.


مستهلكاً: هو الذي يتبنى خطايا الآخرين ويعيشها في حياته.


متاجراً: هو الذي يسوّق الخطيئة لتشمل أكبر عدد من الناس.


فمفعول الخطيئة التّغييري يشمل الأطر الثّلاثة.


ـ هناك سؤال طرحته فلسفة القرن التّاسع عشر في الغرب على اللّاهوت الكنسيّ: إذا كانت إحدى صفات الله أنّه كامل القدرة فهل يمكنه صنع حجر كبير لدرجة أنّه لا يستطيع هو نفسه أن يرفعه فيما بعد؟


إذا أجبنا بنعم، أي أنّ بإمكانه صنع هذا الحجر بما أنّه كامل القدرة،  فكيف لا يمكنه فيما بعد رفعه؟ إذاً لا يمكننا حينها تعريفه بكامل القدرة. أمّا إذا أجبنا منذ البداية بأنّ الله لا يمكنه صنع حجر كهذا، فهذا يعني أنّه ليس كامل القدرة.


ـ وكان دوستويفسكي هو الذي أجاب على هذا التّساؤل وهو فيلسوف متأثّر باللّاهوت، أجاب: نعم، الله يمكنه صنع حجر كبير لدرجة لا يمكن رفعه، فما هو هذا الحجر؟ 


  إنّه حريّة الإنسان! إنّ هذا هو بالضبط الحجر الكبير الذي خلقه الله، ولم يستطع فيما بعد رفعه.


ـ إن عظمة الله في محبته (المحبة اللّامحدودة/ شجرة التفاح لا تعطي تينًا)، وعظمة الإنسان في حريّته، وإعجاز الله هو في احترامه المُطلق لهذه الحريّة.


المثل الأول قصة آدم وحواء:


تتذكّرون ما حدث عندما سأل الله آدم: آدم، آدم ماذا فعلت؟ لماذا أكلت من الثّمر؟ فأجاب آدم: "كلا ليس أنا، لم آكل بإرادتي، إنّها امرأتي التي أعطتني".(تك 3 / 9 - 13).


"ممّا يعني لست أنا المسؤول عن هذا بل حوّاء" ونلاحظ هنا انتقالاً، أي انتقال المسؤوليّة الشخصيّة، هذا مهمّ جدّاً بالنّسبة إلينا، فالخطيئة تبدأ فعلاً هنا. بكلام آخر إنّه انتقال يسعى إلى إتّهام الآخر من جهّة، ومن جهّة أخرى هذا يعني أنّه إن كانت حوّاء هي المسؤولة، فبالتّالي "أنت أيضاً، الإله الذي خلق المرأة"، يلتفت الله نحو حوّاء الواقفة بقرب آدم ويسألها السّؤال نفسه: حوّاء، لماذا أكلت؟ 


تجيب بالطريقة نفسها... وقد تعلّمت من أستاذ جيد هو زوجها الواقف بقربها: "إنّها الحيّة هي التي أغوتني لست أنا بل الأفعى هي المسؤولة" وبالتّالي أنت الله الذي خلق الأفعى. وهكذا كما ترون جيّداً يظهر الغياب الفاضح للنّضوج الرّوحيّ. 


المثل الثّاني هو من أقوال الآباء الشّيوخ، هو مثل يتحدّث عن خبرتهم النّسكيّة والرّهبانيّة ويوصلنا هذا المثل هنا إلى كمال المسؤوليّة التي كانت تنقص آدم. يحدّثنا عن راهبَين، ذهبا إلى الإسكندرية لشراء أغراض للدّير ولقاء بعض الأشخاص، ولربح الوقت كان الرّاهبان يفترقان في النّهار فيتقاسمان الأعمال ويقومان بها ويلتقيان ليلاً وهكذا...


وعندما قاربت جولتهما على الإنتهاء...زنى أحدهم وقرّر عدم العودة، الآخر الذي يتمتّع بالحكمة والحبّ والنّضوج الرّوحيّ قال له:  لقد فعلت الشّيء نفسه لكنّي سأعود. هنا عادا وعوقبا بالوحدة لمدّة ستّة أشهر... هو كان يدّعي أنّه قام بالأمر حتّى بعد كشف الحقيقة، كي يتحمَّل خطيئة الأخ الآخر حتّى النّهاية كي يساعده وينقذه.


وسادت الفرحة في كلّ الدّير "إن أخاً قد أُنقِذ".


ـ إنّ الكنيسة تعرض لنا دائمًا خطوة حمل خطايا الآخر، وهذا بالضّبط ما فعله يسوع المسيح من أجلنا، بهذه الطّريقة الآبائيّة، نحن مدعوّون أن نتتبّع هذا السّبيل الصّعب جدّاً والذي سيبقى سبيلنا جميعاً حتى يوم القيامة. فإنّه على مستوى العلاقة بين الإخوة، تبقى مجازفة المحبّة موجودة دائمًا ومستحبّة.


ـ إنّ حدود كلّ حريّة هي المسؤوليّة وليست الآفاق والسُّحب، وبالتّالي بقدر ما أنا إنسان مسؤول بقدر ما أنا إنسان حرّ. إنّ مسؤوليتي كإنسان مخلوق على صورة الله كمثاله تتخطّى لحميّـتي لتشمل دعوتي.


فإذا مسؤوليّتي لا تقف عند ما أقوله أنا وأفعله، بل تمتدّ لتطال ما يقوله الآخر ويفعله، وبالتّالي فالشّراكة البشريّة هي شراكة في المسؤوليّة وليست في الحاجات البيولوجيّة والطبيعيّة (الحاجة إلى الأكل والشرب).


ـ من هنا نحن مدعوّون أن نعيش حريّة المشاركة المسؤولة: فحريّتنا ليست جزيرة في عمق المحيط، بل هي معين خصب تفيض منه أواصر المحبّة والصّداقة، التي أساسها الفرد وامتدادها هي الجماعة البشريّة القادرة على استيعابها وفهمها لا بل تبنّيها الذي يصيّرها في العمق التزاماً حيًّا مشاركًا في الضرّاء والسرّاء، وهذا ما يسمّى بالنّضوج الرّوحيّ  والإجتماعيّ و الجماعيّ.


ـ إن الله تحمّل ما حمّله الإنسان من خطايا، نقل الإنسان مسؤوليّة الخطيئة إلى الله، والله بإرادته قبل أن يتحمّل هذه المسؤولية، فصار يُدعى (حامل خطايا العالم) أو (حامل مسؤوليّة العالم) وهنا فإن الله أخذ على عاتقه مسؤوليّة خلاص الإنسان،  فكان التّدبير الخلاصيّ وصولاً إلى ملء الزّمن والتجسّد الذي فيه لبس الله جسدًا بشريًّا ضعيفًا.


وبالتّالي نزل الله من علياء سمائه إلى عمق ظلام الإنسان وانتشله من فساده وعدميّته إلى القيامة والمجد في الحياة الأبديّة. وبالتّالي فالله هو المبادر الأوّل بما يختصّ بالنّضوج الرّوحيّ الذي يبتدئ بالمحبّة ويُعاش بتحمّل المسؤوليّة، الشّخصيّة أوّلاً ومن ثمَّ الجماعيّة.


أسئلة:


ـ ما هي المسؤوليّة برأيك؟ ماذا تعني؟


ـ ما هي متطلّبات هذه المسؤوليّة؟ (المحبّة والحريّة والقرار بالإلتزام)


مع المسيح: "ما من حبّ ٍ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه"


وهكذا فالحبّ مسؤوليّة كما أنّ الحريّة مسؤوليّة (الحبّ المسؤول / الحريّة المسؤولة).


موقع jespro