جِئتُ لأُلقِيَ عَلى الأَرضِ نارًا! «متفرقات

 

 

 

النار تُطهِّر؛ وهذا ما يرفضهُ كلُّ إنسانٍ فاسد.

 

النار تُضيء؛ وهذا ما يُخيف كلُّ مَن يعيش في الظلام.

 

النار تُدفئ؛ وهذا ما لا يروقُ لكلّ إنسان بارِد أو فاتِر.

 

 

يُمكن لنار الرّوح أن تكون قنبلة تنفجر وتُزعِج العالم. النبيّ هو مثلُ النار التي تُتلِف  الفَساد،  تُنير الظلام، تكشفُ الكذِب وتوقِظ من السُبات. ومن ذلك يأتي ردُّ فعل العالم: دعونا نتخلّص من الأنبياء: إرميا، يسوع، ولِمَ لا يكون أيضًا من البابا فرنسيس! إنّهم يُزعجون المؤسّسات؛ نارهم تَخلُق الانقسامات، والنزاعات. أمام النبيّ علينا أن نَهتدي أو أن نُسكِتهُ ونتخلّص منهُ.

 

 

 

يقولُ الأُمراء للملِك: إنّ إرميَا هذا، يوهِنُ عزيمة رجال القتال؛ ويُقلِقُ الشعب؛ إنّه لا يبحثُ إطلاقًا عن السَّلام. يجب أن نتخلّص منهُ ونقتلهُ. وهكذا قرّروا، بموافقة الملِك، أن يُهلكوهُ في جُبٍّ مليءٍ بالوحل. (إرميا  38 4 -10).

 

 

 

 

 

إن ذاكَ الذي تُسمّيهِ الرِّسالة إلى العبرانيين «مُبدِئُ إيماننا ومُتمّمهُ» (عب 12: 2) يقول عن نفسهِ أنّه جاءَ ليُلقي على الأرض ناراً (لو 12: 49)...، أرض بِلا حدود حيثُ لا يُستثنى أيّ شخص، بل بالعكس يشمل الجميع: المُقتدرين والفقراء، الشباب والشيوخ، الأذكياء والمُعاقين. إنّ نارُ حُبٍّ لا حدَّ لها ومجتمع يكون الجميع فيه إخوة، هو قنبلة تُحطّم امتيازات الأغنياء وسُلطة الرؤساء. لذا يجب التخلُّص منه قبل فوات الأوان. وهكذا قرّر الكِبار، بيلاطُس وهيرودُس، رؤساء الكهنة والكتَبة أن يُغلقوا  فمه ويُسمِّروهُ على صليب، لكي يحافظوا على «سلام» المٌتسلّطين. وذاكَ الذي لم تكُن لديه سوى الرغبة في أن يُلهِبَ قَلبَ العالَم بتلكَ النار التي تُنير، تُدفئ وتُنقّي، توصّل لأن يقول بحزنٍ عميق: لا تظنّوا أنّي جِئتُ لأُلقي سلامًا، لا، بل سيف الانقسام.

 

 

 

يُظهِرُ التاريخ بأنّه لا يُمكن إسكات صوت الحقّ. جموعٌ من«المجاهدين» و«التكفيريين» يواصلون إلقاء التصريحات: جِئنا لنُلقي ناراً، قنبلة على الأرض. لكن، هل يُمكننا باسم الله أن ننشُر نار الدَّمار والإرهاب؟ هل نستطيع باسم الله الخالق الأوحَد لجميع البشَر، أن نقسُم البشريّة بين مؤمنين وغير مؤمنين؟ إنّ يسوع، ولكَي يوَحِّدَ البشَر في شعبٍ واحدٍ هدَمَ بدمِهِ الحواجز التي تفصلُ بين البشَر بدلاً من سفكِ دماء الآخرين ( أف 2: 14).

 

 

سار العالم على خُطى نبيّ من العصر الحديث، البابا فرنسيس «رأس إيماننا» اليوم، أثناء زيارتهِ للبرازيل (23-28 تموز 2013). لقد جاء ليُلقي نارًا على أرض أمريكا الجنوبيّة. قال للديبلوماسيّين أنّه علينا أن نعمل من أجل مجتمعٍ يكون فيه للفقراء سُلطان؛ وقال للكرادلة والأساقفة بأنّ عليهم أن يخرجوا من الحظيرة للبحث عن الخروف الضالّ؛ وقال للرُهبان والرَّاهبات والإكليركيّين أنّه عليهم أن يخرجوا إلى الحدود ويباشروا بالحوار مع كلّ رجلٍ وامرأة، مؤمن أو غير مؤمن، وشجّع الشباب لكي يُتابعوا نضالهم من أجل مجتمعٍ أفضل حيث يتمُّ احترام حقوق كلّ الناس وحتّى الضُعفاء منهم.

 

 

 

ماذا سيكون مصير هذا النبيّ؟ هل سيرميه الأُمراء في الوحل مثل إرميا؟ هل سيحكم عليه كبار الكهنة بالموت على الصليب، مثل يسوع؟

 

 

 

ليكُن كلّ مسيحيّ، على مِثال مُعلّمه يسوع وعلى خُطى "أبيه فرنسيس" غير خائفٍ من أن يكون «آية مُعرّضة للرفض» (لو 2: 45) وأن لا يتردّد بأن يكون ناراً تُضيء وتُنَقّي، بغَضّ النظر عن ما يُمكن أن تكون النتائج. نقرأ في الرسالة إلى العبرانيّين: «فإنّكم لم تُقاوِموا بعد حتى بَذل الدم في مواجهة الخطيئة» (عب 12: 4).

 

 

فقط نار الحُبّ يُمكنها أن تخلق العائلة البشريّة، بدون أيّ تميّيز عرقيّ، طبقيّ أو حتى دينيّ. دعونا لا نخاف من أن نكون أنبياء على مِثال يسوع المسيح.

 

 

«اذهبوا بدون خوف، للخدمة» تلك كانت الرِّسالة النهائيّة  للبابا فرنسيس إلى الشباب في القدّاس الختامي للأيّام العالميّة للشباب. اذهبوا، وألقوا نارًا على الأرض، تكون قادرة على إشعال نار مصابيح أُخرى.

 

 

 

 الأب هانس بوتمان اليسوعي