خطاب البابا إلى السلطات المدنية في بلغاريا «متفرقات

 

 

 

 

 

حطت طائرة البابا فرنسيس عند الساعة العاشرة من صباح الأحد على أرض مطار صوفيا ببلغاريا مبتدئًا زيارته الرّسوليَّة التاسعة والعشرين خارج الأراضي الإيطاليَّة والتي ستقوده أيضًا إلى جمهوريّة مقدونيا الشماليّة.

 

 

 

 

 

كان في استقبال البابا على أرض المطار رئيس الوزراء البلغاري السيد Boyko Borisov على رأس وفد رسميّ وبحضور السفير البابويّ في صوفيا المطران أنسيلمو بيكوراري. غادر الموكب البابويّ المطار بعدها متوجِّهًا إلى القصر الجمهوريّ حيث جرت مراسم الاستقبال الرَّسمي قبل أن يقوم البابا بزيارة مجاملة إلى رئيس البلاد السيد Rumen Radev. عند الساعة الحادية عشرة والنصف كان لقاء للبابا مع ممثلين عن السلطات المدنية وأعضاء السلك الدبلوماسي الذين وجّه لهم فرنسيس خطابًا بعد كلمة ترحيبيَّة ألقاها رئيس الجمهوريَّة.

 

 

 

 

 

استهلَّ البابا فرنسيس خطابه معربًا عن سروره لتواجده في بلغاريا التي تشكّل مكاناً للقاء بين ثقافات وحضارات متعدِّدة، وجسرًا بين أوروبا الشرقيَّة والجنوبيَّة وبابًا مفتوحًا على الشرق الأدنى، لافتًا إلى وجود جذور مسيحيَّة عميقة في تلك البقعة، تغذّي الدّعوة إلى تعزيز اللّقاء أكان في المنطقة أم على الصَّعيد الدوليّ. وأكّد البابا فرنسيس أنَّ التنوّع في بلغاريا، في إطار احترام الخصائص الفريدة، يُنظر إليه كفرصة، وغنى لا كسبب للمواجهة. بعدها وجّه البابا تحيَّة حارَّة إلى رئيس البلاد والبطريرك الأرثوذكسي نيوفيت وكبار المسؤولين السياسيِّين والدينيِّين، وخصّ بالذكر الأساقفة والكهنة والرّهبان والرَّاهبات وجميع أعضاء الكنيسة الكاثوليكيَّة مشيرًا إلى أنَّه حضر ليثبّتهم في الإيمان، ويشجّعهم في مسيرة حياتهم اليوميّة وفي شهادتهم المسيحيَّة.

 

 

 

 

 

هذا ثمَّ حيَّا البابا مسيحيي الطوائف الأخرى وأعضاء الجاليتين اليهوديّة والمسلمة، معربًا عن قناعته الرّاسخة بأن التعاليم الحقيقيّة للديانات تدعو إلى الرّسوخ في قيم السَّلام ودعم قيم التعارف المتبادل. وأمل البابا فرنسيس أن تتمكّن كلّ ديانة، مدعوّة إلى تعزيز التناغم والوفاق، من الإسهام في تنمية ثقافة وبيئة مطبوعتين بالاحترام الكامل للشخص البشريّ وكرامته، وفي إقامة روابط حيوية بين الحضارات والتقاليد المختلفة، ورفض كلّ عنف وقمع. وبهذه الطريقة يتمّ التغلّب على الساعين بشتّى الوسائل إلى استخدام الدين لأغراض أخرى.

 

 

 

 

بعدها قال البابا إن زيارته لبلغاريا اليوم تشكّل تكملة لتلك التي قام بها البابا يوحنّا بولس الثاني إلى هذا البلد في شهر أيّار مايو من العام 2002، مشيرًا أيضًا إلى السنوات العشر التي أمضاها أنجيلو رونكالي (البابا يوحنا الثالث والعشرين لاحقًا) في صوفيا كموفد رسوليّ. وأضاف أنَّ هذا الأخير حمل في قلبه دومًا مشاعر الامتنان والتقدير العميق لتلك الأمة، وقال إنّه كان يعرّف عن نفسه بأنّه أخ لبلغاريا دون التمييز بين الانتماء إلى الكنيسة الكاثوليكيّة أو الأرثوذكسيّة. وأكَّد فرنسيس أنَّ يوحنَّا الثالث والعشرين عمل بلا كلل من أجل تعزيز التعاون الأخويّ بين جميع المسيحيّين ومن خلال المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الذي دعا إليه وترأسه في مراحله الأولى، أعطى دفعًا كبيرًا ومقررًا للعلاقات المسكونيّة. وفي إطار متابعة هذه الأحداث، يقوم وفد رسميّ بلغاري يتألف من ممثلين عن السلطات المدنيّة والكنسيّة، ومنذ العام 1968 بزيارة سنويَّة إلى الفاتيكان لمناسبة الاحتفال بعيد القديسَين كيريلس وميتوديوس.

 

 

 

 

وذكّر البابا بأنَّ هذين القدِّيسين بشّرا الشعوب السلافيّة، وكانا مصدرًا لنمو لغة هذه الشعوب وثقافتها تاركَين قبل كلّ شيء ثمارًا وافرة ودائمة من الشهادة المسيحيَّة والقداسة. وسأل البابا فرنسيس الله أن يبارك هذين القدّيسين لأنّهما يشكّلان، على الرّغم من مرور ألف عام، مصدر وحي للحوار الخصب والتناغم والتعايش الأخويّ بين الكنائس والدول والشعوب! وتمنّى أن يحرّك مثالهما أشخاصًا كثيرين على الاقتداء بهما في يومنا الحاضر وإطلاق مسارات جديدة من السّلام والوفاق.

 

 

 

 

 

هذا ثمّ أكّد البابا أنّه في المرحلة التاريخيّة التي نعيشها اليوم، وبعد مرور ثلاثين عامًا على سقوط النظام التوتاليتاري الذي كان يسجن الحريّة والمبادرات، تجد بلغاريا نفسها في مواجهة مع تبعات الهجرة، خلال العقود الماضية، في وقت يبحث فيه أكثر من مليونيّ مواطن بلغاري عن فرص العمل. كما يتعيّن على بلغاريا أن تواجه مشكلة أخرى ألا وهي الشتاء الديمغرافي، الذي يعني أوروبا كلّها، ويأتي نتيجة لتراجع الثقة بالمستقبل. وقد جعل هذا الانخفاض في معدل الولادات، فضلا عن الهجرة، العديد من القرى والبلدات خالية من السكان. كما أن البلاد تواجه محاولات الدخول إلى أراضيها من قبل أشخاص هربوا من الحروب والصراعات أو البؤس، ويسعون بشتى الوسائل إلى بلوغ المناطق الثرية في أوروبا، بحثًا عن فرص العيش وملجأ آمن.

 

 

 

 

 

بعدها أشار البابا فرنسيس إلى أنّه مطّلع على التزام المسؤولين السياسيِّين منذ سنوات في توفير الظروف المناسبة لمنع الشبان من الهجرة. وشجَّع الحاضرين على متابعة العمل في هذا الاتجاه، وبذل كلّ جهد كفيل بخلق الظروف المؤاتية كي يتمكّن الشبان من استثمار طاقاتهم النضرة، والتخطيط لمستقبلهم الشخصيّ والعائليّ وعيش حياة لائقة. وطلب أيضًا من السلطات، التي تواجه مأساة الهجرة، ألّا تغلق العين والقلب واليد في وجه من يقرعون الأبواب. وأكّد في هذا السياق أن بلغاريا تميزت دومًا بكونها جسرًا بين الشرق والغرب، وهي قادرة على تعزيز اللقاء بين ثقافات وأعراق وحضارات وديانات مختلفة تعايشت بسلام على مرِّ العصور. وأشار إلى أنَّ النمو الاقتصاديّ والمدنيّ لبلغاريا يمرّ عبر الإقرار بهذه الميزة الخاصَّة وتثمينها.

 

 

 

 

وأمل البابا في ختام كلمته بأن تبقى بلغاريا خصبة بفضل العمل المتواضع لأجيال كثيرة، ومنفتحة على التبادلات الثقافية والتجاريَّة، وتظلّ مندمجة في الاتّحاد الأوروبي، محافظة على علاقاتها مع روسيا وتركيا، لتقدِّم لأبنائها مستقبل أمل ورجاء. ثمّ سأل الله أن يبارك بلغاريا ويجعلها أمَّة مسالمة، مضيافة، مزدهرة وسعيدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.