خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء الكوريا الرومانية بحلول عيد الميلاد «متفرقات

 

 

 

 

خطاب البابا فرنسيس إلى أعضاء الكوريا الرومانية بحلول عيد الميلاد

 

 

 

التقى البابا فرنسيس صباح يوم الخميس في قاعة كليمنتينا بالقصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء الكوريا الرومانية لتبادل التهاني بحلول عيد الميلاد. ألقى البابا خطاباً للمناسبة استهلّه متحدثاً عن معنى هذا العيد، وقال إنه عيد الإيمان بابن الله الذي تجسّد ليعيد إلى الإنسان كرامتَه البنوية التي فقدها بسبب الخطية وعدم الطاعة.

 

وتوجّه البابا إلى أعضاء الكوريا الرومانية وعائلاتهم بأطيب التمنيات لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة. هذا ثم أشار إلى أنه يود الحديث عن علاقة الكوريا الرومانية مع الأطراف الخارجية، أي مع الأمم والكنائس الخاصة والكنائس الشرقية، فضلاً عن الحوار المسكوني والحوار مع اليهودية والإسلام وباقي الديانات.

 

ولفت البابا إلى أن الكوريا الرومانية إذا ما انغلقت على ذاتها، تخون هدف وجودها وتحكم على نفسها بالدمار مذكراً الحاضرين بأن الله أنشأ الكنيسة لتكون في هذا العالم لكن ليست من العالم، ولتكون أيضاً أداة للخلاص والخدمة بالنسبة للآخرين.

 

وبعد أن تحدث عن بعض المزايا التي تتمتع بها الكوريا الرومانية مشبهاً أعضاءها بأعضاء الجسم البشري، أكد فرنسيس أنه يود التوقف في خطابه التقليدي السنوي عند علاقات الكوريا مع الأطراف الخارجية. وقال إنه فيما يتعلق بالعلاقات مع الأمم، تلعب في هذا السياق دوراً هاماً للغاية الدبلوماسيةُ الفاتيكانية، التي تسعى إلى جعل الكرسي الرسولي بمثابة جسرٍ للسلام والحوار بين الأمم.

 

وبما أن هذه الدبلوماسية هي في خدمة البشرية والإنسان وفي خدمة الأيادي الممدودة والأبواب المفتوحة فهي تلتزم في الإصغاء والفهم والمساعدة والتدخل بجهوزية واحترام جميع الحالات والأوضاع من أجل تقريب المسافات ونسج علاقات من الثقة. الاهتمام الوحيد للدبلوماسية الفاتيكانية هو أن تكون حرّةً من جميع المصالح المادية والدنيوية.

 

 الكرسي الرسولي حاضر على الساحة الدولية كي يتعاون مع كل الأشخاص والأمم من ذوي النوايا الصالحة، ومن أجل التأكيد دوماً على أهمية حماية البيت المشترك من الأنانيات المدمّرة. كما لا بد أن نستخلص من الماضي العِبَر التي تساعدنا على عيش الحاضر بطريقة أفضل، وبناء مستقبل راسخ، وحمايته من أجل الأجيال القادمة، وهذا الأمر يتحقق أيضاً من خلال اللقاءات مع قادة الأمم ومختلف الوفود والبعثات وبواسطة الزيارات الرسولية. ولهذا السبب بالذات تم إنشاء قسمٍ خاص في أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان يُعنى بالقضايا المتعلقة بالأشخاص العاملين في المجال الدبلوماسي للكرسي الرسولي، أو من يستعدون لهذه الخدمة.

 

أما فيما يتعلق بالكنائس الخاصة وعلاقتها مع الكوريا الرومانية فأشار البابا فرنسيس إلى الروابط التي تجمع الكوريا مع الأبرشيات المهمّة حول العالم، والتي تجد في هذه الدوائر الفاتيكانية العضد والدعم اللازمين، وهذه العلاقة ترتكز إلى التعاون والثقة.

 

وبالتالي تشكل هذه الكنائس الخاصة نقطة مرجعية بالنسبة لعمل الكوريا الرومانية فضلاً عن أسقف روما. واعتبر البابا فرنسيس في هذا السياق أن الزيارات التقليدية للأعتاب الرسولية التي يقوم بها أساقفة العالم تشكل فرصة بالغة الأهمية للقاء والحوار والغنى المتبادل.

 

ولهذا السبب شئتُ أن أصغي إلى الأساقفة وأتحاور معهم بشكل واضح وصريح بعيداً عن أطر البروتوكول والتبادل التقليدي للخطابات والتوصيات. ولم تخلُ كلمة البابا فرنسيس من الإشارة إلى الجمعية العادية الخامسة عشرة  لسينودس الأساقفة التي ستتمحور أعمالُها حول موضوع "الشبيبة، الإيمان وتمييز الدعوات"، وشدد في هذا السياق على ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالشبان والقضايا المتعلقة بهم ومن بينها العلاقات ما بين الأجيال، العائلة، المجالات الرعوية، الحياة الاجتماعية وغيرها، وكل هذه المسائل جاء ذكرها في الوثيقة التحضيرية للسينودس.

 

على صعيد العلاقات بين الكوريا الرومانية والكنائس الشرقية، شدد البابا على أن الوحدة والشركة اللتين تطغيان على هذه العلاقة تشكلان مثالا ملموساً للغنى في التنوع بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية كلها. وبعد أن تطرق إلى بعض القضايا القانونية والمتعلقة بانتخاب الأساقفة من قبل الكنائس الكاثوليكية الشرقية لافتاً إلى أن هذا الأمر ينبغي أن يعكس ويعزز الشركة بين البابا ومجمع الأساقفة، أكد البابا أن العلاقة بين روما والشرق تشكل مصدراً للغنى الروحي والليتورجي المتبادل، وقال إن كنيسة روما لما كانت "كاثوليكية" حقاً بدون كنوز الكنائس الشرقية التي لا تقدّر بثمن وبدون الشهادات البطولية للعديد من الأخوة والأخوات الشرقيين الذين ينقّون الكنيسة من خلال قبولهم للاستشهاد والتضحية بحياتهم عوضاً عن نكران المسيح.

 

هذا ثم انتقل البابا إلى الحديث عن الحوار المسكوني وأشار إلى التزام الكوريا الرومانية في هذا المجال، لاسيما بعد أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. وقال إن هذا الحوار المسكوني هو عبارة عن مسيرة لا رجوع عنها، كما أكد في أكثر من مناسبة البابواتُ السابقون مشددين على أن الوحدة تتحقق من خلال هذه المسيرة المشتركة ومن خلال اللقاء مع الأخوة والصلاة معاً والتعاون المشترك من أجل إعلان الإنجيل وخدمة المهمشين، وكل الاختلافات اللاهوتية والكنسية، التي ما تزال تفرّق المسيحيين، سيتم تخطيها على هذه الدرب.

 

ولفت فرنسيس إلى أن الكوريا تعمل في هذا الاتجاه من أجل تعزيز اللقاء مع الأخوة، وحل عِقَد سوء الفهم والعدائية، والتصدي للأحكام المسبقة والخوف من الآخر، وما يشهد على ذلك اللقاءات مع بابوات وبطاركة وقادة الكنائس الأخرى.

 

أما فيما يتعلق بالحوار ما بين الأديان فأشار البابا إلى أن نشاط الكوريا الرومانية يحدده المجمع الفاتيكاني الثاني، لافتا إلى أن البديل الوحيد لحضارة التلاقي هي حضارة الصراع. وأكد فرنسيس أن هذا الحوار يرتكز إلى أسس ثلاثة: "واجب الهوية، شجاعة التعامل مع الآخر، وصدق النوايا"، موضحاً في هذا السياق أن اللقاءات التي تمت مع السلطات الدينية، خلال الزيارات الرسولية المختلفة، أو في الفاتيكان تشكل دليلاً ملموساً على هذا الحوار.

 

في ختام خطابه إلى أعضاء الكوريا الرومانية لمناسبة تبادل التهاني بحلول عيد الميلاد، شدد البابا فرنسيس على ضرورة أن ننمّي الإيمان ونحييه، محذراً من مغبة أن يبقى الإيمان فكرياً أو فاتراً إذ لا بد أن يشمل هذا الإيمان القلب والنفس والروح وكلَّ كياننا، وهذا يحصل عندما نسمح لله إن يولد في مذود القلب، وعندما نترك نجمة بيت لحم تقودنا إلى المكان حيث يوجد ابن الله، ليس وسط الملوك إنما بين الفقراء والمتواضعين.

 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.