سيّدي، دعها هذه السنةَ أيضًا «متفرقات

 

 

سيّدي، دعها هذه السنةً أيضًا

 

 

لا شكّ في أنّ مثل التينة الّتي لا تثمر (لو13/ 1 -9)، ككلّ الأمثال، يهدف إلى الحثّ على التوبة. منذ العهد القديم استخدم الأنبياء المثل ليدفعوا الناس إلى الإقرار بخطيئتهم لكي يصلحوا أنفسهم. ناتان النبيّ أخبر داود قصّة رجل ظالم، وحين حكم داود على الرّجل أنّه يستحقّ الموت قال له النبيّ صراحة: "أنت هو الرّجل" (1صم 12)، وكذلك النبيّ أشعيا يخبر نشيد الكرّام الّذي فعل كلّ ما يجب فعله لكرمه، ولكنّ الكرم أثمر حصرمًا بدلاً من العنب، والكرّام إنّما هو الله، والكرم شعب الله. فما يجوز فعله بكرم لا يثمر، ألا يجوز فعله بشعب لا يستجيب؟ ولكنّ المثل لا يهدف إلى أن يقول ماذا سيفعل الله، بل ماذا يستحقّ الخائن إن لم يتب. فالهدف هو التوبة.

 

 

 

وفي مثل التينة الّتي لا تثمر هدف مماثل، فصاحب الكرم يمهل التينة سنة واحدة، امتثالاً لطلب الكرّام الّذي يحاول مرّة نهائيّة أن ينقذ التينة، وإلاّ يقلعها، وكأنّ يسوع يدعونا إلى أن نعتبر الزمن الحاضر مثل هذه السنة، مثل فرصة أخيرة، كما لو كانت السنة الأخيرة. ليس المقصود أن نجيب: الحمد لله أنا أحمل ثمارًا والمثل لا يتوجّه إليّ. المسألة أن نعيش الزمن الحاضر على أنّه الوحيد الّذي يهمّ، موجّهين اهتمامنا إلى ما يقوم به الكرّام لتحسين ثمرنا.

 

 

 

وكما نفهم من بداية الإنجيل، ليست المصائب الّتي تلمّ بنا عقابًا إلهيًّا على خطايانا. فليس من تصيبه المصيبة أكثر شرًّا من غيره، كما يقول يسوع. ولكنّ المصيبة تصير "مثلاً" أي دعوة إلى التوبة، إلى تغيير أفكارنا من أفكار الظلم إلى أفكار العدل، من أفكار الامتلاك إلى أفكار المشاركة، من شهوة الأشياء الخبيثة، ومن التذمّر كما في رسالة مار بولس (قور10/ 1- 12)، إلى الثقة بالله. لهذا تقول الرّسالة في الآباء الّذين خرجوا من مصر ولكنّهم لم يثقوا بالله أنّهم سقطوا صرعى في البرّيّة "وقَد جَرى لَهم ذلِكَ لِيَكونَ صورةً وكُتِبَ تَنبيهًا لَنا نَحنُ الَّذينَ بَلَغوا مُنتَهى الأَزمِنَة. فمَن ظنَّ أَنَّه قائم، فلْيَحذَرِ السُّقوط".

 

 

 

"دعها هذه السنة أيضًا". الآية تشير إلى أكثر من ضرورة التوبة، تشير إلى شفيع، إلى وسيط يستمهل صاحب الكرم في حكمه على تينته. هذا بالطبع تصوير بشريّ، ولكن ما يهمّنا أنّ الله يدعو من بين الناس أشخاصًا يحملون مسؤوليّة شعبه ويسهرون عليه، بسلطة الله وبحنوّ الله.

 

 

 

هكذا موسى (خر3/ 1 -15) مدعوًّا إلى أن يرى، مثل ما يرى الله، مذلّة الشعب، ويسمع، مثلما يسمع الله، صراخ الشعب، ويعلم، كما يعلم الله، بشقائه، فيأتي إليه، وفيه الله يأتي، ليخلّصه. وخلف صورة موسى ترتسم، منذ العهد القديم، صورة يسوع، الشفيع الحقّ، الّذي يأتي إلى العالم ليخلّصه.

 

 

 

 كلّ منّا يسمع في قلبه نداء للاهتمام بالقريب، بعضنا يحمل همّ شعب الله بأكمله، وهم المدعوّون إلى التكرّس في سبيل الشعب، ولكن كلّنا نسمع نداء العالم يتجاوب فينا مع نداء من الله، لكي نهتمّ. أن نهتمّ، يعني أن نتوب، فالتوبة هي تغيير الفكر، من أفكار البشر إلى أفكار الله. ولكي نتوب ليس زمن أفضل من الزمن الحاضر، "هذه السنة" كما لو كانت الأخيرة.

 

 

 

 

 

الأب داني الياس اليسوعي.