"عشر كلمات" كي نحيا العهد «متفرقات

 

 

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

 

يتمّ هذا اللقاء في مكانين: هنا، في السَّاحة، وفي قاعة بولس السَّادس حيث يتبع أكثر من 200 مريض هذا اللّقاء عبر الشاشة الكبيرة. إنّنا نشكّل معًا جماعة. لنحيّي بالتصفيق الموجودين في القاعة.

 

 

لقد بدأنا الأربعاء الماضي سلسلة جديدة من التعاليم، حول الوصايا العشر. وقد رأينا أنّ الربّ لم يأتِ لينقض الشريعة بل ليكمّلها. ولكن يتوجّب علينا أن نفهم بشكل أفضل هذا المنظور.

 

 

إنَّ الوصايا في الكتب المقدّسة لا تحيا بذاتها، إنَّما هي جزء من علاقة. فيسوع لم يأتِ لينقض الشَّريعة، بل ليكمّلها. وهناك تلك العلاقة، علاقة العهد[1] بين الله وشعبه. في بداية الفصل العشرين من سفر الخروج نقرأ –وهذا مهمّ-: "وتَكَلَّمَ اللهُ بِهذا الكَلامِ كُلِّه" (آية 1).

 

 

تبدو وكأنّها بداية مثل أيّ بداية، ولكن ما من شيء "عاديّ" في الكتب المقدّسة. فالنصّ لا يقول: "قال الله هذه الوصايا" إنّما "هذا الكلام". التقليد العبريّ يطلق على الوصايا العشر دومًا اسم "الكلمات العشر". وهذا ما تعني بالفعل عبارة "الوصايا العشر"[2]. ومع ذلك فهي بشكل شريعة، هي موضوعيًّا وصايا. لماذا إذًا يستخدم الكاتب هنا بالذات عبارة "الكلمات العشر"؟ لماذا؟ ولا يقول "الوصايا العشر"؟

 

 

 

ما الفرق بين وصيّة وكلمة؟ الوصيّة هي تواصل لا يتطلّب حوارًا. أمّا الكلمة فهي الوسيلة الأساسيَّة للعلاقة كحوار. فالله الآب يَخلقُ عبر كلمته، وابنه هو الكلمة المتجسّد. المحبّة تتغذّى بالكلام، وكذلك التربية أو التعاون. فشخصان لا يتحابّان هما شخصان لا يقدران على التواصل. وعندما يتكلّم أحدهم إلى قلبنا، تنتهي وحدتنا. ينال كلمة، ويتمّ التواصل، والوصايا هي كلام الله: الله يتواصل عبر هذه الكلمات العشر، وينتظر ردّنا. 

 

 

 

هناك فرق بين تلقي أمرًا ما والإدراك أنّ أحدهم يحاول التكلّم معنا. "الحوار هو أكثر من نقل حقيقة ما. أستطيع أن أقول لك: "اليوم هو اليوم الأخير من الرَّبيع، الرَّبيع الدافئ، ولكن اليوم هو اليوم الأخير". هذه حقيقة، إنّها ليست حوارًا. لكن إذا قلت لك: "ما رأيك في هذا الربيع؟"، أبدأ حوارًا. الوصايا هي الحوار. والتواصل يتحقّق بواسطة تذوّق الكلام وعبر الخير الملموس الذي يتناقله أولئك الذين يحبّون بعضهم البعض من خلال العبارات. هو خير لا يتكوّن من أشياء، بل من الأشخاص أنفسهم الذين يهبون ذواتهم بتبادلٍ عبر الحوار" (الإرشاد الرسوليّ فرح الإنجيل، 142).

 

 

 

لكن هذا الاختلاف ليس مصطنعًا. لننظر إلى ما حدث في البداية. يريد المجرّب، الشيطان، أن يخدع الرَّجل والمرأة حول هذه النقطة: يريد أن يقنعهم أنَّ الله قد منعهم من أكل ثمرة شجرة الخير والشرّ كي يبقيهما خاضعين له. والتحدّي هو هذا بالتحديد: أوّل قانون أعطاه الله للإنسان، هل هو فرض مستبدّ يحظر ويلزم أم رعاية أب يعتني بأبنائه ويحميهم من التدمير الذاتي؟ هل هي كلمة أم وصيّة؟ إنّ الكذبة الأعظم من بين الأكاذيب المختلفة التي قالتها الحيّة لحوّاء هي عرض ألوهيّة غيورة -"كلا، الله يغار منكم"-، ألوهيّة أنانيّة -"الله لا يريد أن تكونوا أحرارًا"-. والوقائع تبيّن بطريقة مأساويّة أنّ الحيّة قد كذبت (تك 2، 16- 17؛ 3، 4- 5). جعله يعتقد أنّ كلمة المحبّة هي أمر.

 

 

 

ويواجه الإنسان هذا المفترق: هل الله يفرض عليّ الأمور أم يعتني بي؟ هل وصاياه شريعة وحسب أم تحتوي على كلمة كي يعتني بي؟ هل الله سيّد أم أب؟ الله أب: لا تنسوا هذا أبدًا. حتى في الأوضاع الأصعب، فكّروا أنّه لدينا أب يحبّنا جميعًا. هل نحن رعاياه أم أبناؤه؟ هذا الصراع، في داخلنا وفي خارجنا، هو حاضر باستمرار: علينا أن نختار آلاف المرّات بين منطق العبيد ومنطق الأبناء. الوصيّة هي من السيّد، أمّا الكلمة فمن الآب.

 

 

الرُّوح القدس هو روح أبناء، هو روح يسوع. وروح كروح العبيد لا يقدر أن يقبل الشّريعة إلّا بطريقة استبداديّة، وباستطاعته أن يولّد نتيجتين متعاكستين: إمّا حياة تتكوّن من واجبات وفروض، وإمّا ردّة فعلٍ عنيفة من الرفض. المسيحيّة بأسرها هي العبور من حرف الشريعة إلى الرُّوح المُعطي الحياة (2 قور 3، 6- 17). يسوع هو كلمة الآب، وليس إدانة الآب. لقد جاء يسوع ليخلّصنا، بكلمته، ولا ليديننا.

 

 

يظهرُ الأمر واضحًا على الرَّجل أو المرأة عندما يكونا قد عاشا هذا العبور. والناس تدرك إذا كان مسيحيّ ما يفكّر كابنٍ أو كعبدٍ. ونحن أنفسنا نذكر إن كان معلّمونا قد اعتنوا بنا كآباء وأمّهات، أم أنّهم قد فرضوا علينا مبادئ وحسب. الوصايا هي الطريق إلى الحرّية، لأنّها كلمة الآب الذي يجعلنا أحرارًا في هذه المسيرة.  

 

 

ليس العالم بحاجة إلى قوانين، بل إلى عناية. إنّه بحاجة إلى مسيحيّين لهم قلب أبناء[3]. بحاجة إلى مسيحيِّين لهم قلب أبناء: لا تنسوا ذلك.    

 

أرحّب بمودّة بالأشخاص النّاطقين باللّغة العربية، وخاصّة بالقادمين من لبنان، ومن الأردنّ ومن الأراضي المقدَّسة، ومن الشَّرق الأوسط. لقد وهبنا الله روحه القدُّوس كيما نعيش كأبناء له، ونرى في كلمته وفي وصاياه، لا قواعد وممنوعات تجعل منّا عبيدًا، إنّما محبّته الأبويَّة التي تهبنا الحياة والحرّية وتنير مسيرتنا. ليبارككم الربّ جميعًا ويحرسكم من الشرّير!

 


[1]يسبق الفصلَ العشرين من سفر الخروج هبةُ العهد في الفصل التاسع عشر، ويكوّن محوره القولُ: "والآن، إِن سَمِعتُمِ سَماعاً لِصَوتي وحفَظِتُم عَهْدي، فإِنَّكم تَكونونَ لي خاصَّةً مِن بَينِ جَميعِ الشُّعوب، لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها لي. وأَنتُم تَكونونَ لي مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة. هذا هو الكَلامُ اَّلذي تَقولُه لِبَني إِسْرائيل" (خر 19، 5- 6). ويجد هذا المصطلح تلخيصًا رمزيّا له في أح 26، 12: "وأَسيرُ في وَسْطِكم وأَكونُ لَكم إِلهاً وأَنتُم تَكونونَ لي شَعْباً" يصل حتى اسم المسيح المُعلن مسبقًا في أش 7، 14 أي عمّانوئيل، الذي يرسى في متى: "ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل أَيِ اللهُ معَنا" (متى 1، 23). كلّ هذا يدلّ على الطبيعة العلائقيَّة جوهريًّا للدين اليهودي، وإلى أعلى درجة، للإيمان المسيحيّ.

[2]را. أيضًا خر 34، 28ب: "كَتَبَ على اللَّوحَينِ كَلامَ العَهْد، الكَلِماتِ العَشْر".

[3]را. يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة تألّق الحقيقة، 12: "عطية الوصايا العشر هي وعد العهد الجديد وعلامته، فيه ستُكتَب الشريعة من جديد في قلب الإنسان (را. إر 31 / 31 -34)، وتحلّ محلّ شريعة الخطيئة التي أفسدت ذلك القلب (را. إر 17 / 1)، فيعطي حينئذ "قلباً جديداً" لأن "روحاً جديداً" سيحل فيه هو روح الله (را. حز 36 / 24 – 28)".