عظة البابا عشية عيد القديسة مريم والدة الله «متفرقات

 

 

 

ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الاثنين صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس، عشيّة عيد القديسة مريم والدة الله، بمشاركة جمع غفير من المؤمنين، وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول:

 

 

في ختام السنة، ترافقنا كلمة الله بهاتين الآيتين من الرسول بولس (غلاطية ٤، ٤-٥). إنهما عبارتان وجيزتان وعميقتان: ملخّص العهد الجديد الذي يعطي معنى للحظة "جوهريّة" كما هي على الدوام نهاية العام.

 

 

 

 

 العبارة الأولى التي تؤثِّر بنا هي "ملء الزمن". إنّها تأخذ صدى مميزًا في هذه الساعات الأخيرة من السنة الشمسيّة والتي نشعر فيها أكثر بالحاجة لشيء ما يملأ بالمعنى مرور الزمن. شيء ما أو بالأحرى أحد ما. وهذا الشخص قد جاء، لقد أرسله الله: إنّه "ابنه" يسوع. لقد احتفلنا منذ بضعة أيّام بولادته: ولد من امرأة، من العذراء مريم؛ ولد في حُكم الشّريعة، طفل يهوديّ خاضع لشريعة الرَّب. ولكن كيف يُعقل ذلك؟ كيف يمكن أن تكون هذه علامة "ملء الزمن"؟ حتى الآن بالتأكيد هو غير مرئي وغير مهمّ، ولكن وخلال ما يقارب الثلاثين عامًا، سيطلق يسوع هذا قوّة لا مثيل لها دامت وستدوم للتاريخ بأسره. هذه القوّة تدعى الحبّ. الحبّ هو الذي يعطي الملء لكلِّ شيء، حتى للزمن، ويسوع هو "خُلاصة" محبّة الله كلّها في كائن بشريّ.

 

 

 

 ويقول القدّيس بولس بوضوح لماذا ولد ابن الله في الزمن وما هي الرسالة التي أعطاه الآب إيّاها ليتمِّمها: ولد "ليفتدي". وهذه هي الكلمة الثانية التي تؤثر فينا: الافتداء، أي انتشال الإنسان من حالة عبوديّة وإعادته إلى الحريّة؛ إلى كرامة وحريّة الأبناء. إن العبوديّة التي يفكّر فيها الرسول هي عبوديّة "الشريعة" كمجموعة قواعد ينبغي الحفاظ عليها، شريعة تربّي الإنسان بالتأكيد ولكنّها لا تحرّره من حالته كخاطئ، لا بل "تُسمِّره" في هذه الحالة وتمنعه من بلوغ حريّة الابن.

 

 

 

 

 

 إنّ الله الآب قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليقتلع من قلب الإنسان العبوديّة القديمة للخطيئة ويعيد إليه هكذا كرامته. من قلب الإنسان في الواقع – كما يعلّم يسوع في الإنجيل (مرقس ٧، ٢١-٢٣) – تنبعث جميع المقاصد السيّئة والشرور التي تُفسد الحياة والعلاقات.

 

 

 

 

 وهنا علينا أن نتوقّف، أن نتوقّف للتأمّل بألم وندامة لأنّه، خلال هذا العام أيضًا الذي يصل إلى نهايته، عاش العديد من الرجال والنساء ولا زالوا يعيشون أوضاع عبوديّة لا تليق بالشخص البشري. حتى في مدينتنا روما هناك إخوة وأخوات، ولأسباب عديدة، يعيشون في هذه الأوضاع. أفكّر بشكل خاص بالذين يعيشون بدون منزل. هم أكثر من عشرة آلاف. وفي الشتاء بشكل خاص تكون حالتهم صعبة. هم جميعًا أبناء وبنات الله ولكنَّ أشكال عبودية عديدة ومعقدّة أحيانًا قد حملتهم على العيش على هامش الكرامة البشريّة. يسوع أيضًا قد ولد في وضع مشابه ولكن ليس من باب الصدفة أو بسبب حادث ما: لقد أراد أن يولد هكذا ليُظهر محبّة الله للصغار والفقراء ويرمي هكذا في العالم بذرة ملكوت الله، ملكوت العدالة والمحبّة والسلام حيث لا يكون أحد عبدًا بل يكون الجميع إخوة وأبناء للأب الأوحد.

 

 

 

 

 إن كنيسة روما لا تريد أن تقف غير مبالية إزاء أشكال العبوديّة في زمننا ولا أن تراقبها ببساطة بل تريد أن تكون داخل هذا الواقع وقريبة من هؤلاء الأشخاص وهذه الأوضاع. يطيب لي أن اشجّع هذا الشكل من أشكال أمومة الكنيسة فيما نحتفل بالأمومة الإلهيّة للعذراء مريم. إذ نتأمّل هذا السرّ نحن نعترف أنَّ الله "ولد من امرأة" لكي نتمكّن من نوال ملء بشريّتنا "ونحظى بالتبني". بانحنائه رُفعنا. من صغره أتت عظمتنا، ومن هشاشته قوّتنا؛ ومِن جَعلِ نفسه عبدًا أتت حريتنا.

 

 

 

 ماذا يمكننا أن نسمّي هذا كلّه إن لم نسمّه محبّة؟ محبّة الآب والابن والرّوح القدس التي وفي هذه الليلة ترفع الكنيسة الأمّ المقدّسة في العالم بأسره إليها نشيدها، نشيد التسبيح والشكر.

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.