عظة البطريرك الراعي - البيان ليوسف «متفرقات

 

 

 

" لمّا قام يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الربّ " (متى 25:1)

 

 

 

 

      1. البيان ليوسف في الحلم يكمّل البشارة لمريم. في البشارتين المتكاملتين تنكشف مقاصد الله في تاريخ البشر. هذا الانكشاف يتواصل في كلّ مؤمن ومؤمنة يعيشان على هذه الدنيا باتّحاد روحيّ مع الله، على مثال يوسف ومريم. هذا هو أساس كرامة كلّ إنسان وقيمته، إذ أراده الله معاونًا في تحقيق تاريخ الخلاص. إنّنا نصلّي كي يزيّننا الله بفضيلة الطاعة التي عاشتها مريم بقولها: "أنا أمة الربّ" (لو 38:1)، وعاشها يوسف "فاعلاً كما أمره ملاك الربّ" (متى 25:1).

 

 

 

 

 

      2. يسعدنا أن نحتفل معًا باللّيتورجيّا الإلهيّة في تذكار البيان لوسف، وقد بدأنا ليلة أمس تساعيّة الاستعداد لميلاد الفادي الإلهيّ ومخلّص العالم. إنّها تذكّرنا بمسيرة الأجيال المنتظِرة عبر أقوال الأنبياء والكتب المقدّسة، مجيء المسيح المخلّص الذي وعد به الله منذ سقوط الإنسان الأوّل، آدم وحوّاء، في الخطيئة، وتشويهه صورة الله فيه (راجع تكوين 15:3). هذه المسيرة تتواصل فينا، فنرجو أن نجعل من التساعيّة مناسبةً لاستعدادٍ روحيٍّ قائمٍ على الصّلاة والتّوبة والمصالحة مع الله والناس، وعلى أعمال المحبّة والرّحمة تجاه العائلات التي يحرمها فقرها والعوز من بهجة الأعياد.

 

 

 

      3. ويطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بالوفد الآتي من أوكرانيا وعلى رأسه القنصل الفخريّ فيها السيّد مارون مرهج، ومؤسّس المركز الثقافي اللّبناني، ومؤسّس جماعة العائلة المارونيّة فيها.  كما احيي رئيس بلدية قاع الريم والوفد المرافق له.

 

 

 

 ونرحّب بجمعيّة دعم الشباب اللّبناني التي تُعنى بشأن الإسكان للشباب من أجل البقاء على أرض الوطن وتأسيس عائلة. وهي تعمل حاليًا على وضع خطة إسكانيّة مستدامة على أمل طرحها على الحكومة الجديدة. إنّنا نثني على جهود الجمعيّة ونتمنّى لها النّجاح في مساعيها. ونرحّب أيضًا بعائلة المرحومة ميمي الياس البستاني، أرملة المرحوم النائب والوزير السّابق الشيخ الياس الخازن. وقد ودّعناها معهم بكثير من الأسى منذ شهر ونصف. إنّنا نجدّد التعازي لابنيها وبناتها وعائلاتهم وسائر ذويهم، ونصلّي لراحة نفسها في الملكوت السماوي.

 

 

 

 

      4. إنّ مضمون البيان ليوسف كما البشارة لمريم جاء معدِّلاً لقرارهما ومشروعهما الزواجي، ومكمِّلاً له. كان قرارهما الزواج بحسب الشّريعة الطبيعيّة والقانونيّة. فتمّ زواجهما ككلّ الزيجات في قسمه الأوّل أي الخطبة ذات المفعول القانوني. فالخطبة في شريعة العهد القديم زواج شرعيّ بكلّ معنى الكلمة، ويبقى القسم الثاني الذي هو انتقال العروس إلى منزل عريسها، بعد أسبوعين أو ثلاثة، لكي يتساكنا. في هذا القسم الثاني تدخّل الله بتصميمه الخلاصيّ وبإشراك مريم ويوسف في تحقيقه.

 

 

 

      فقبل أن تنتقل مريم إلى بيت يوسف خطّيبها كشف الله مقاصده عليها وعلى زواجها بيوسف، فكانت البشاره بأن منها يولد ابن الله إنسانًا بقوّة الروح القدس وهي عذراء. ثمّ كشف هذه المقاصد إلى يوسف في الحُلم، فيما كان مصمّمًا على تطليق مريم سرًّا، من دون محاكمة، لعدم فهمه لحبلها ولمكانه في هذا السرّ الإلهيّ.

 

 

 

      5. إنّ مقاصد الله لا تناقض مشاريعنا، بل ترتكز عليها وتكمّلها. كان زواج يوسف ومريم ضروريًا من أجل شرعيّة المولود من مريم. فكان يسوع معروفًا بابن يوسف ومريم من الناصرة، هكذا تسجّل في الإحصاء الذي أمر به أغسطس قيصر (راجع لو 2: 1-3)، وهكذا تعاطى معه يوسف ومريم كأبيه وأمّه (راجع لو 48:2).

 

 

 

 في تصميم الله كان دور مريم أن تكون أمًّا ليسوع الذي تجسّد في حشاها بقوّة الرّوح القدس. وكان دور يوسف أن يكون زوجًا وأبًا شرعيًّا، يتولّى بخدمة متفانية حراسة الكنزين: مريم وابنها يسوع.

 

 

 

      مع أنّ مقاصد الله اكتملت في إرساله ابنه الوحيد، فاديًا للإنسان ومخلّصًا للعالم، فإنّها تتواصل من جيل إلى جيل تحقيقًا لثمار الفداء والخلاص في كلّ من يؤمن. فلا بدّ، والحالة هذه، من أن يترك كلّ واحد وواحدة منّا نافذة منفتحة على الله ليتدخّل في مشاريع حياتنا. ففيما نحن كبشر نبني التاريخ الزمني بأحداثه، من الواجب علينا كمؤمنين أن نعمل على تحقيق التاريخ الخلاصيّ كما يوحيه الله سواء بإيحاءاته وإلهاماته، أم بكلامه الذي نطبّقه على مجريات الحياة، أم بهداية تعليم الكنيسة. جميلٌ أن نصلّي في صباح كلّ يوم: "يا ربّ، إكشف لي إرادتك في ما أقوم به في هذا النّهار". فلا ننسَ أنّ الربّ يسوع، الذي نستعدّ للاحتفال بذكرى ميلاده إنسانًا، هو "عمّانوئيل" الذي يقطع طريق الحياة مع كلّ مؤمن.

 

 

 

      6. هذا الكلام موجّه إلى كلّ صاحب مسؤوليّة في العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة. وأوّجهه على الأخصّ إلى المسؤولين السياسيّين الذين يعرقلون تأليف الحكومة الجديدة وبالتالي يزيدون الأزمة الإقتصاديّة والماليّة وما يتّصل بهما، حتّى أنّها بلغت حيّز الخطر على البلاد، بالإضافة إلى المزيد من فقر المواطنين وتحطيم آمال الشّبيبة وطموحاتها. كيف يمكن قبول هذا الواقع الشّاذ في ممارسة العمل السّياسي والإفراط في السّلطة. كيف يمكن أن يتفاهم ويتحاور ويتشاور أهل السلطة والتكتّلات النيابيّة والنافذون، فيما كلّ واحد وكلّ فريق متمسّك برأيه ومطلبه؟ هل المقصود تعطيل الدولة التي تخسر يوميًا من وارداتها المالية ويتفاقم دينها مع إطلالة كلّ صباح بالملايين من الدولارات، لغاية مبطّنة ما؟ إنّ السلطة من طبعها مدعوّة لتبني لا لتهدم، لتتقدّم بالبلاد إقتصاديًا وإنمائيًا وأمنًا لا لتعود به إلى الوراء، لتوفّر الخير العام للمواطنين لا لإفقارهم.

 

      إفتحوا، أيّها المسؤولون السياسيّون، نافذة ليدخل نور الله إلى عقولكم وقلوبكم، فيخرجها من ظلمة المصالح والتحجّر والبغض، ومن ظلمة الفساد والمكاسب غير المشروعة، ويصلح حياتكم لكي تصلحوا أداءكم لخير لبنان وشعبه ومؤسّساته.

 

      7. في مسيرتنا الروحيّة نحو الميلاد، نرفع صلاتنا بالمزمور السادس والعشرين قائلين: "وجهك يا ربّ ألتمس". وهي صلاة ترافقنا كلّ يوم، بحيث نستحضر الله، ونترك جانبًا انشغالاتنا وهمومنا، وندخل في خلوة مع الله، لكي يخاطب قلب كلّ واحد منّا، ويوحي ما يريد. فتتبدّل حياتنا، وتتجدّد بالقيم الروحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. وتصبح نشيد تسبيح وشكر للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين.

 

 

موقع بكركي.