عظة البطريرك الراعي - كنيسة السيّدة حصرون «متفرقات

 

 

 

 

"ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال" (لو48:1).

 

 

1. في بيت أليصابات، بعد بشارة الملاك لمريم، أنشدت العذراء صلاتها النبويّة: "تعظّم نفسي الربّ". فأضحت صلاتنا ببُعدَيْها: الأوّل، "تعظيم" الله لما أجرى من عظائم في شخص مريم، أمته المتواضعة، وبواسطتها لجميع البشر. والثاني، استيداعها طلباتنا كأبناء لله لكي تشفع بنا لدى عرشه الإلهيّ. فهي تعرف تمامًا بشريّتنا التي خطبها ابن الله (كتاب التّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2675).

 

 

 

نشيدها نشيد العبادة الحقّة لله: نعظّمه ونسبّحه ونمجّده ونتّضع أمامه، ونقرّ شاكرين بالعظائم التي يجريها، وبأنّ اسمه قدّوس (المرجع نفسه،2097).

 

 

 

2. يسعدنا أن نحتفل معكم، يا أبناء حصرون الأعزّاء، بعيد انتقال أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء. وهي شفيعة بلدتكم العزيزة إلى جانب مار لابا والقدِّيسة حنّه. وللثلاثة كنائس تكرّمونهم فيها، فضلاً عن أماكن عبادة أخرى على إسم مار يعقوب المقطّع ومار مخايل ومار توما، بالإضافة إلى القدِّيسين الذين تكرّمونهم في مذابح خاصّة بهم في كنيسة السيّدة هذه، منهم: مار يوسف، ومار أنطونيوس البادواني، والقدِّيسة تريز الطفل يسوع. كلّ هذه الكنائس والمَعالم التقويّة تدلّ على رسوخ الإيمان وحياة الصلاة في نفوسكم وفي عائلاتكم جيلاً بعد جيل.

 

 

 

3. بفضل هذا التّراث المسيحي الماروني الأصيل، أنجبت بلدتكم بطريركَين هما البطريرك يعقوب عوّاد، والبطريرك سمعان عوّاد، وثلاثة مطارنة، هم: المطران يوسف سمعان السّمعاني، حافظ المكتبة الفاتيكانية، وعمّه المطران يوسف السّمعاني رئيس أساقفة طرابلس، والمطران أسطفان عوّاد السّمعاني، وعددًا غفيرًا من الكهنة والرهبان والراهبات. كما أعطت وجوهًا معروفة، سياسيّة وثقافيّة وعلميّة بمختلف الإختصاصات. وهي تفتخر اليوم بأحد أبنائها، وهو عزيزنا النقيب جوزف إسحق، يدخل القبّة البرلمانية نائبًا.

 

 

وكم أُسعدنا قبل ظهر اليوم، بالنّدوة العلميّة، في قاعة كنيسة القديسة حنّه، التي كشفت شخصيّة العلاّمة المطران يوسف سمعان السّمعاني حافظ المكتبة الفاتيكانيّة، في ذكرى مرور 250 سنة على وفاته. إنّه مفخرة للكرسي الرّسولي ولكنيستنا المارونيّة ولحصرون والمنطقة، بل وللبنان كلّه.

 

 

 

4. بإحياء كلّ هذا التّراث الحصروني الغنيّ روحيًا وثقافيًا، كنسيًا ومدنيًا، نتذكّر أنّ قيمة لبنان في ثقافة شعبه وتفوّقه بالعلم والابتكار والروح الخلاّق. فلا يستطيع المسؤولون في الدولة عندنا إهمال قطاع التّعليم والتّربية بجناحيه الرّسمي والخاصّ، وكلاهما للمنفعة العامّة. لا يحقّ لهم إهمال المدرسة الرسميّة في مبانيها ومساحاتها وإداراتها ومعلّميها ومستواها؛ كما لا يحقّ لهم إرهاق أهالي التّلامذة الذين يختارون المدرسة الخاصّة لأولادهم بعدم مساعدتهم من خلال تحمّل الدولة الزيادات التي تفرضها على الرّواتب والأجور في المدرسة الخاصّة، فتُخفَّض عندئذٍ الأقساط المدرسيّة وتبقى في متناول شعبنا.

 

 

 

ومن جهة ثانية لا يحقّ للمسؤولين في الدولة السّماح بتأسيس جامعات تنبت كالفطر، ومعيارها طائفي وسياسي وتجاري، مع غضّ النّظر عن تدنّي المستوى الجامعي، وعن بيع الشّهادات وشرائها.

 

 

 

 

   "ها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال" (لو48:1).

 

 

5. منذ ألفيّ سنة والشّعب المسيحي يعظّم الله مع مريم، ويقرّ بالعظائم التي أجراها فيها ويجريها في تاريخ البشر. هكذا فعل آباؤكم وأجدادكم من جيل إلى جيل، إذ كان حضورهم الفاعل معروفًا في أزمنتهم، على الرغم من كلّ الصّعوبات والاضطهادات والاعتداءات في مختلف العهود التي حكمت منطقتنا. إنّ كنائسكم القديمة وبقايا أماكن العبادة خير دليل على ذلك. فبفضل ايمانهم ورجائهم، وبقوّة صلاتهم، وباتّكالهم على السيّدة العذراء ومار لابا الرَّسول، صمدوا وترسّخوا في هذا الجبل على مشارف الوادي المقدّس، مستنشقين أريج بخور صلوات الحبساء والبطاركة والمطارنة وقداستهم.

 

 

 

6. إنّ الطّوبى التي نعطيها لأمّنا السّماويّة مريم، إنّما هي تلك التي تصدر من قلوبنا المفعمة بالحبّ، ومن أعمالنا الصّالحة، ونشاطاتنا البنّاءة؛ ومن مواقفنا والمبادرات الرّامية إلى كلّ ما هو خير وحقّ وعدل.

 

 

 

فمريم نُقلت بنفسها وجسدها إلى السّماء، ساعة نياحها، لأنّها كانت، طيلة حياتها، في حلوها ومرّها، إمرأة الإيمان والرجاء والمحبّة. بالإيمان قالت "نعم" يوم البشارة لإرادة الله ولتدبيره الخلاصي كإبنة، على لسان الملاك جبرائيل. وبالرجاء رافقت بثبات ابنها يسوع في رسالته الخلاصيّة على هدي أنوار الروح القدس. وبالمحبّة تحمّلت مع ابنها الإلهي الآلام والصّلب، وقبلتها مثله ذبيحة حبّ لفداء الجنس البشريّ. وهكذا رسمت لنا الطريق في الحياة، المؤدّي إلى كلّ حق وخير وجمال، فإلى الله.

 

 

 

7. إنّنا نصلّي كي يسلكه كلّ إنسان، وبخاصّة المسؤولون عندنا في الدولة من أجل الخروج من الأزمات التي أوصلوا إليها البلاد والشّعب والمؤسّسات. بدءًا من أزمة تأليف الحكومة، فالأزمة الاقتصاديّة – الاجتماعيّة، فأزمة تمزيق الوحدة الداخليّة بسبب الولاء لهذه الدولة أو تلك، واستجرار النّزاعات الجارية في المنطقة إلى الداخل اللبناني، وبسبب السّعي من هذا الفريق وذاك إلى المصالح والمغانم الخاصّة والنفوذ على حساب الدولة ومؤسَّساتها. وفي كلّ ذلك، الشعب هو الضحيّة، ولاسيّما شبابنا الطالع إذ يرى آماله وطموحاته محطّمة.

 

 

 

8. لكنّنا في كلّ حال، نتطلّع إلى أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، التي ترافقنا بعينها السّاهرة من السّماء، وهي رجاؤنا، ملتمسين من الله بشفاعتها أن يُشعل في قلوبنا فضائل الإيمان والرَّجاء والمحبّة، لكي نسير على الدرب الذي رسمَته لنا في حياتها على الأرض، فنبلغ ميناء الخلاص والأمان، مسبّحين الثالوث القدّوس، الآب والإبن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد.

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي - كنيسة السيّدة حصرون

 

موقع بكركي