عظيم ايمانك يا امرأة «متفرقات

 

 

عظيم ايمانك يا امرأة

 

 

إعلان المرأة الكنعانيّة، وهي فينيقيّة وثنيّة، عن إيمانها بالمسيح إبن داود القادر على شفاء إبنتها المريضة، وحدوث الشّفاء ساعة هذا الاعلان، دليل على أنَّ "سرّ المسيح"، وهو "سرّ تدبير الله الخلاصيّ"، يشمل كلّ الشُّعوب.

 

هذا ما أراد الرَّبُّ يسوع، كمعلّم إلهيّ له نهجه التعليميّ والتربوي، أن يُظهره للعلن، من خلال حواره معها، وكان فيه شيء من الإساءة والاحتقار:

 

عدمُ الإكتراث لها ولألمها ولطلبها: هي توسلّت اليه: "ارحمني يا سيِّدي، يا ابن داود، ابنتي يعذّبها شيطان". أمَّا هو فلم يجرِ جوابًا.

 

تمييز عنصريّ وكأن للألم لونًا دينيًا أو عرقـًا: تلاميذه توسّلوا إليه بشأنها ليلبِّي مطلبها ويصرفها فتكفّ عن الصّراخ. أمّا هو فقال: "ما أرسلت إلاّ إلى الخراف التي ضلّت من بيت إسرائيل"

 

احتقار وإهانة: هي سجدت له وألحّت: "يا سيِّدي، ساعدني"! أمّا هو فوجّه لها كلامًا جارحًا للغاية: "لا يحسن أن نأخذ خبز البنين، ونطرحه للكلاب".

 

لكنّ إيمان المرأة الصّامد على صخرة الرَّجاء ظهر في جوابها الذي لم يكن ليتوقّعه أحد، وهو جواب أبطال الإيمان والرَّجاء، مهما صدر عن الشّخص الذي نؤمن به ونرجو رحمته التي لا تخيّب، وفي هذه الحالة هو الله.

         

كان يسوع ينتظر هذا الجواب الإيماني من المرأة، التي كان يعرف إيمانها، هو عالم الأفكار وفاحص القلوب. فبلغ إلى ما كان يريد قوله للؤمنين الفنيقيِّين، في نواحي صور وصيدا، إنّه هو المسيح الآتي لخلاص جميع الشّعوب. فامتدح إيمانها ولبّى طلبها: "عظيم إيمانك يا امرأة، ليكن لكِ ما تريدين". ومن تلك السّاعة شُفيت ابنتها.

 

 

من أين إيمان المرأة الوثنيّة؟

 

السّؤال الكبير المطروح: كيف آمنت المرأة الوثنيّة بالمسيح؟ من أين إيمانها؟ كيف عرفت أنّه ابن داود، وأنّه قادر على شفاء ابنتها؟

 

الإيمان عطيّة من الله، فضيلة فائقة الطبيعة مزروعة في قلب الإنسان، كلِّ إنسان، على ما قال الرّبّ يسوع لسمعان بطرس عندما أعلن إيمانه به في قيصريّة فيليبس: "لا لحم ولا دمّ أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السّماء" (متى16/ 17). والله، بنعمته الواقية والمساعدة، يساعد الإنسان لكي يعطي جواب الإيمان. هذه النعمة هي عمل الرّوح القدس الذي يمسّ القلب ويوجّهه نحو الله، كما يفتح عيون النفس، ويعطي الجميع عذوبة قبول الحقيقة والإيمان بها (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 153).

 

هذا الإيمان بالله، كثير الرَّحمة للبشر وشافيهم من بؤسهم، معطى لجميع النّاس. وقد أعطي للمرأة الفينيقيّة الوثنيّة. هذه حافظت عليه وغذّته في قلبها، ولم تقيّده بتعليم البشر وتقاليدهم وسياساتهم، بل ظلّت حرّة في داخلها، بحريَّة أبناء الله.

 

ولهذا السَّبب، عندما سمعت بيسوع وآياته ورأت الجميع يتقاطرون إليه لسماع كلمة الحياة ومشاهدة أعماله، أوحى إليها إيمانها الطبيعي أنّ يسوع هو هذا الموعود به، المسيح الآتي، ابن داود، وإنّه مجسّد رحمة الله. فكان نداؤها وإلحاحها.

 

ما أجمل الإيمان! ما أجرأه! الشكر لله الذي مع الايمان الذي يهبه للانسان، كلّ إنسان، يعطيه الشّجاعة والحريّة ليعلن حقيقة الله المتجليّة بشخص المسيح، الكلمة المتجسّد.

 

كم نحن بحاجة إلى المحافظة على عطيّة الإيمان، لنكون أحرارًا حقـًا من النّاس والسياسيِّين والإيديولوجيّات البشريّة ومن المصالح الرَّخيصة! كم نحن بحاجة إلى تغذية عطيّة الإيمان بسماع صوت الله في الكتب المقدّسة والإنجيل وتعليم الكنيسة، لنعرف الحقيقة المطلقة ونكسب الشّجاعة للجهار بها وتطبيقها كحضارة حياة في الشؤون الرّوحيّة والخلقيّة والزَّمنيَّة!

 

يعلّمنا إيمان المرأة الكنعانيّة أنّ الله ليس بأصمّ عن صرخة الإيمان، ولهذا أوصى الرَّبُّ يسوع: "صلّوا ولا تملّوا. أطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتح لكم". (لو11 /8-11).

 

ويعلّمنا أنّ الإيمان يفتح جميع الأبواب، حتّى تلك التي تبدو مقفلة بشكلٍ مُحكم ونهائي. "فالإيمان هو الذي غلب العالم. وكلّ مولود من الله يغلب العالم" (1يو5/ 4).

 

أزمة عالم اليوم هي في العمق أزمة الإيمان على كلِّ المستويات. إنّ صحراء عدم الإيمان تتقدّم وتقسّي القلوب.

 

"يا ربّ، زِدنا إيمانًا".

 

 

صلاة

          

أيّها الرّبّ يسوع، قوّنا مثل المرأة الكنعانيّة على الثبات في الإيمان بك، فنقوى بقوَّة الرّجاء على المحن والصعوبات التي تعترضنا. فليذكّرنا روحك القدّوس بأنّ نور كلمتك يبدّد ظلمات حياتنا، فلا نيأس ولا نقنط ولا نثور أمام المرض أو الموت أو أي محنة أخرى، بل نصمد في الإيمان ونرجو تجلّيات رحمتك، وننضج في حبِّنا لك. فنرفع معهم المجد والشّكران للآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

البطريرك الراعي - التنشئة المسيحية.