فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحًا عَظيمًا جِدًّا «متفرقات

فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحًا عَظيمًا جِدًّا

 

 

إحتفالنا بعيد الظهور الإلهيّ هو احتفالٌ بالفرح العظيم الّذي أشرق في قلوب الوثنيّين حين أدخلهم الإله الحقيقيّ في سرِّ ابنه المتجسّد. نحن أكثرنا من سلالة الوثنيّين، فنحن نحتفل اليوم برغبة الله في أن نكون من عائلة الله، من مواطني السَّماء، وارثين مع شعب الله.

 

لأنّ الله الّذي بالأنبياء علّم شعب العهد القديم أن ينتظر مجيئه، هو الّذي كان الوثنيّون ينتظرونه أيضًا عن غير معرفة. وكما كلّم اليهود من خلال الكتاب، كلّم الوثنيّين السّاجدين للكواكب من خلال الكواكب، فصاغ لكلّ واحدٍ لغة يفهمها وكلّم كلّ واحد بحسب مسيرته الخاصّة.

 

إنكشاف السرّ للوثنيّين هو ظهور للإله الّذي لا يستثني أحدًا من حبّه. إن كان لله شعب مُختار، فهو مختار ليحمل إلى العالم وعود الله، لا ليستثني الآخر المختلف. والمسيح، الّذي وُلد بالجسد في صلب الشّعب المُختار مع أنّه الخالق، وصار بالجسد وريثًا للعهد مع أنّه منذ الأزل سيّد العهد، يحمل منذ ولادته إلى الشّعوب الأخرى خبر اشتراكهم في ميراثه، خبر انفتاح سرّ الله ليشمل برحمته كلّ إنسان.

 

احتفالنا اليوم هو إذًا استعادة لفرح المجوس وإن كانوا لا يفهمون فرحهم، أمّا نحن فنفهم. نفرح في قلب مآسينا. لم يخلُ تاريخ البشر من المآسي. بعد ذهاب المجوس، هيرودس سيقتل أطفال بيت لحم، وحين يذيع يسوع حبّ الآب للبشر بيلاطس يسلّمه إلى الموت.

 

كيف نفرح في قلب المآسي؟ كيف نفرح وعنف قايين يملأ عالمنا، بل حتّى قلوبنا؟ ليس فرحنا سهلاً وليس تناسيًا للواقع ولا هروبًا ولا استخفافـًا. ليس فرحنا من صنع أيدينا وليس إيحاءً ذاتيًّا ولا تعزية مزيّفة نقنع أنفسنا بها. وإنّما فرحنا بأنّ سرّ الله ينكشف على أنّ الله يعمل في قلب نزاعاتنا، يعمل على تخطّي الانقسامات، يعمل على توبة قلب الإنسان، يعمل على فضح منطق الحزن الّذي هو في مصدر العنف.

 

فالعنف هو نفسه طاقة الحبّ حين تفقد الرّجاء، هو نفسه قدرة الخلق فينا حين لا تعود خلاّقة. العنف هو نوعيّة العلاقة الّتي تسود بين البشر حين يخاف الواحد من الآخر، فيعزل الواحد الآخر ويتّهم الواحد الآخر. فرحنا ليس عمى بل على العكس، هو الوعي. الوعي بقلب الإنسان القادر على الحبّ وعلى العنف أيضًا، على الخلق وعلى الدّمار أيضًا، على العلاقة الأخويّة وعلى أخوّة قايين أيضًا. أتى ابن الله بين البشر، ليعيد الأخوّة بين قايين وهابيل. هذا هو فرحنا الّذي نراهن عليه في قلب العاصفة، هذا هو رجاؤنا الّذي لا يخيب.

 

فرحنا إذًا مسؤوليّة كبيرة! من منّا يقبل أن يحمل موقف الله الّذي يرفض أن يستثني أحدًا من حبّه؟

 

من منّا يرضى أن يعترف باختلاف الآخر وبأنّ الله يدخل في علاقة مع الآخر كما هو، بلغته الخاصّة، من دون أن يستأذنني؟

 

من منّا مستعدّ أن ينزل سلاحه ويعمل على تضميد الجراح بدلاً من التسبّب بجراح جديدة؟ الحقّ يُقال: هذا الإنسان لا ينال الفرح مقابل جرأته، وإنّما هو ساكن في الفرح وبدونه لما تجرّأ.

 

صلاتي اليوم لكلّ من يسمع الإنجيل، إنجيل الوثنيّين، أن يقبل الفرح المشرق في ظلمات قلبه، هذا الفرح الّذي هو عمل الله فينا، لكي يصير من صانعيّ السّلام، كما هو المسيح. "أمّا الّذين قبلوه فقد أولاهم سُلطانًا به يصيرون أبناء الله" (يو 1: 12).

 

 

الأب داني يونس اليسوعي.